والذي جعل للتوقيعات هذه القيمة السياسية هو أنها ارتبطت منذ نشأتها بدواوين الخلفاء والوزراء، وكانت إحدى الوسائل المباشرة – مثلها مثل الرسائل والخطب – لتوجيه السياسة العامة للدولة، وتزويد الولاة والقواد في ولاياتهم ومواقع مواقع حروبهم بالنصائح والإجراءات المناسبة؛ فكل توقيع يوقعه الخليفة إلى والٍ أو وزير أو قائد يتضمن توجيهًا ذا علاقة بسياسة الدولة. من ذلك ما وقّع به المأمون في قصة متظلم من حميد الطوسي ( [١٣٦] ) أحد قواده:» يا أبا حامد إلا تتكل على حسن رأيي فيك؛ فإنك وأحد رعيتي عندي في الحق سواء ( [١٣٧] )«. وما وقّع به إلى أحد عماله، وقد شكاه أهل عمله:» إن آثرتَ العدل حصلت على السلامة، فانصف رعيتك من هذه الظَّلامة ( [١٣٨] ) «. والتوقيعان يحثانِ على وجوب العدل بين الناس في الحقوق والمعاملات.
نتائج البحث:
عرفنا في الصفحات السابقة أن التوقيعات فن أدبي من فنون النثر، تتوافر فيه عناصر التعبير البليغ. وتناول البحث هذا الفن في العصر الإسلامي والأموي والعباسي، ومهد للموضوع بالحديث عن نشأة الكتابة عند العرب لارتباط التوقيعات بها ثم مصادر التوقيعات، وعرف بالتوقيع في اللغة والاصطلاح، وتطور دلالته، ودرس أنواع التوقيعات بحسب مصادرها الأدبية، وقدم لمحة عن نشأتها وتطورها عبر العصرين الإسلامي والأموي، وازدهارها وتميزها في العصر العباسي، وخلص البحث إلى تحديد مقاييس التوقيع الأدبي، ثم أثر التوقيعات في السياسة والأدب. ومن أهم النتائج التي وصل إليها البحث ما يلي:
١-أن التوقيعات فن أدبي قائم بذاته، وله خصوصيته ومقاييسه الأدبية المستقلة.
٢-لم يعرف عرب الجاهلية هذا الفن من التعبير، ولم يستخدموه في مكاتباتهم، على الرغم من أنَّ الكتابة كانت معروفة لديهم.
٣- التوقيعات فن أدبي نشأ في ظل الإسلام وازدهر، وليس صحيحًا ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن العرب أخذوه من الفرس.