فإن الله عز وجل قد من على المؤمنين ببعثه هذا النبي الأمين بهذا الكتاب المبين، الذي أنار به سبيل الهداية، وأزال به ظلمات الجهالة والضلالة والغواية، فبه اهتدى المهتدون، وبرسوله اقتدى المقتدون، وتعلم صحبه الكرام منه ما أنزل إليه، فعلموا وعملوا بما أنزل عليه، مدركين أنه هو الحجة البالغة القائمة، وأن سنة رسول الله (هي الحق المبين، الموضحة الشارحة للقرآن العظيم.
فلما مضى عصر الخلافة الراشدة وانتهى عصر الصحابة الذين كان وجودهم أماناً للأمة من البدع - ومع الفتوحات المتسعة- حصل الانفتاح على موروثات بعض الأمم الوثنية، وفي مقدمتها المنطق اليوناني، الذي قام بعض المسلمين بتشجيع من بعض أولي الأمر بترجمته إلى اللغة العربية، مما أدى إلى انتشاره في المجتمع المسلم، الذي كان متحصناً بالكتاب والسنة عن كل دخيل؛ فكان له معارضون من علماء الإسلام، يحذِّرون الأمة من أثره، وخطره، وضرره، كما كان له مؤيدون، يقومون بترويجه والإغراء به، ومزجه ببعض العلوم الإسلامية، زاعمين أن ما انبنى على مبادئه وأسسه هو الذي تقوم به الحجة؛ مما جعل للمنطق اليوناني أثراً سيئاً في البلاد الإسلامية رغم صيحات الناصحين وصرخات المخلصين من علمائهم.