ولما كانت المعاناة من المنطق اليوناني وأثره لا تزال قائمة –لاشتمال كثير من كتب التراث عليه- وخاصة الكتب المؤلفة في مجال الاعتقاد؛ أردت أن أساهم بهذا البحث في بيان أثره وخطره، متبعة في ذلك أثر العلماء الناصحين ممن اتبعوا منهج سلف هذه الأمة، في تعظيم الكتاب والسنة، ومبينةً أن ما بني على كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الكريم؛ هو الذي تقوم به الحجة، وتتضح به المحجة، لا في المنطق اليوناني، الذي أنتجه الفكر الوثني الذي لم يسلم من نقد أهله له فأن اشتراط أر سطو قضية كلية موجبة تخمين لا يستند على دليل، لأن الكلية أساسها الجزئية. واشتراط مقدمتين تحكم وتعسف منه، فربما أحتاج الأمر إلى أكثر من مقدمتين لإثباته، لذلك فالدارس لقياس أر سطو لا يجد فيه سوى شكل الدليل وصورته، هذا ما بينه وأكده شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه الرد على المنطقين، كما بين أن منطق أر سطو لم يأتي بجديد. وهذا ما دفعني للكتابة في القياس المنطقي ثم أتبعه بنقد ابن تيميه للقياس المنطقي في البحث اللاحق بأذن الله تعالى. والله تعالى أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجه الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تمسك بسنته ودعا بها وإليها إلى يوم الدين.
تمهيد
قبل الشروع في البحث يتطلب الأمر إلى تمهيد يتقدمه لبيان بعض الأمور المهمة بين يديه، وهي الأمور التي سبق ذكرها في المقدمة على سبيل الإجمال. وهذا موضع تفصيلها:
أولاً: تعريب المنطق اليوناني وانتقاله إلى العالم الإسلامي:
مع قرب نهاية القرن الأول الهجري وما تلاه من عقود اجتمعت عدة عوامل ساعدت على انتشار ترجمة كتب ومؤلفات الأمم السابقة، والحضارات البائدة، ونقلها إلى اللغة العربية.