امتداد الفتوحات الإسلامية لتشمل معظم أرجاء العالم القديم، حيث امتدت ح دود وثغور الدولة الإسلامية من بلاد الصين شرقاً إلى بلاد الأندلس غرباً، ومن بلاد فارس جنوباً إلى آسيا الصغرى شمالاً؛ وهي مساحة شاسعة توالت وتنوعت فيها الحضارات الإنسانية، وبدخول الإسلام إلى تلك البلاد انهارت تلك الحضارات وتساقطت الواحدة تلو الأخرى.
مع إشراق شمس الرسالة الإسلامية على تلك البلدان، ظهر لهم واضحاً جلياً بطلان وتهافت ما كانوا عليه من أديان محرفة، وملل ونحل وآراء ومذاهب فاسدة، فدخل الكثيرون منهم في دين الله أفواجاً.
أقر المسلمون كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين بقوا في ديارهم ولم يدخلوا في الإسلام على ما هم عليه؛ حيث سمح لهم المسلمون بالبقاء على ديانتهم استجابة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، حيث شملتهم سماحة الإسلام ومبادئه الخالدة التي ترعى حق الجوار واحترام الأديان السماوية السابقة.
هذه العوامل وغيرها قد ولدت عند الكثيرين من المسلمين رغبة قوية في معرفة ما عند أهل تلك البلاد التي دانت لهم من مذاهب وآراء وأقوال، لإقرار ما فيها من حق وخير، وإنكار ما فيها من باطل وشر، وإبطاله وإبعاده عن المسلمين.
إلى جانب الرغبة في تعلم ما عندهم أيضاً من علوم ومعارف وفنون وصناعات وحرف للاستفادة منها في شؤون الحياة العادية.
ومن هنا نشأت حركة الترجمة لكتابات ومؤلفات أهل تلك البلدان، ونقلها إلى اللغة العربية، هذا بصفة عامة.
وأما ما يتعلق بكتب المنطق والفلسفة اليونانية بصفة خاصة فبالإضافة إلى ما سبق من العوامل فقد كان هناك فريق من النصارى والروم يعملون في بلاط الأمويين في بلاد الشام، وفي الدواوين وفي غيرها.
وكان هؤلاء النصارى قد تعلموا اللغة السريانية ووقفوا من خلالها على أساليب اليونان ومناهجهم في التفكير، وطريقتهم في الجدل والحوار.