للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: ما رأينا أحداً أسأل عما يختلف فيه منك، قلت: إنما يسأل من يعقل عما يختلف فيه فأما ما لا يختلف فيه فلم نسأل عنه)) (١) ، وغيرها من الآثار، فملكة الفقه لا تتأتَّى إلا بالارتياض في معرفة أقوال العلماء باختلافها، وما أتوا به في كتبهم، فالحق لا يعرف إلا إذا عُرف الباطل، والفاسد لا يعلم إلا إذا عُلِمَ الصحيح، فبضدها تتميز الأشياء، فنبتة التعصب إنما تنشأ عند من ألِف قولاً واحداً فتربى حتى كهل عليه، لذلك أحسب أن هذا العلم الذي يدرّس في الجامعات والمعاهد فيما يسمى ((بالفقه المقارن)) أو ((الفقه الموازن)) ، هو من أعظم الفنون أثراً في تنمية ملكة الاحتجاج والاستنباط، وتحليل ما في الكتب ورده إلى الحجج، لاسيما إذا تولى تعليم هذا الفن من يؤمن به، ومن له تمكن من معرفة الصحيح من الفاسد، فهذا كفيل - بإذن الله - على نزع هذه النبتة من جذورها، فيستقر في قلب الطالب حب جميع العلماء، فيعرفهم حينئذ بالحق، ولا يعرف الحق بهم.

بل ويعجبني فيمن تولى تدريس ((فقه المذهب)) أن يبيّن بعض المسائل التي خالف فيها أصحاب المذهب إمامهم، فتركوا التعصب واتبعوا الدليل، ولم يستنكفوا من ذلك.

المبحث الرابع: بيان زلاّت العلماء

واستغفر الله تعالى من هذا العنوان، واستعيذ بالله مما استعاذ منه ابن تيمية رحمه الله حين اضطره المقام إلى الخوض في هذه المسألة فقال: ((نعوذ بالله سبحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض الأئمة، أو انتقاص أحد منهم، أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم، أو محادتهم وترك محبتهم وموالاتهم، ونرجو من الله سبحانه أن نكون ممن يحبهم ويواليهم ويعرف من حقوقهم وفضلهم ما لا يعرفه أكثر الأتباع، وأن يكون نصيبنا من ذلك أوفر نصيب وأعظم حظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله)) (٢) .


(١) انظر هذه الآثار وغيرها في الآداب الشرعية ٢ / ٥١.
(٢) انظر: الفتاوى الكبرى ٦ / ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>