للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالداعي إلى خوض هذه المسألة أن كثيراً من المقلدين، وكذلك المفتين وأهل العلم، يجادلون من ينكر عليهم التوسع في تتبع رخص العلماء من غير ضابط بقولهم: أأنتم أعلم أم الإمام الفلاني؟

وألستم تعرفون فضل هؤلاء الأئمة، ومكانتهم من العلم والفقه والتقوى؟ فما بالنا لا نأخذ برخصهم وأقوالهم؟

وهذه معارضة فاسدة لا تصح، لأن الله لم يجعل العصمة لأحدٍ دون رسوله (، فالرجل الجليل القدر، العظيم المنزلة، قد تقع منه الهفوات والزلاّت، وهذا بشهادة أئمة الدين، وسادات الدنيا فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((ثلاث يهدمن الدين زلة العالم، وجدال المنافق بالقرآن، وأئمة مضلون)) (١) . وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: ((ويل للأتباع من عثرات العالم. قيل: وكيف ذاك؟ قال: يقول العالم شيئاً برأيه ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله ش فيترك قوله ذلك، ثم يمضي الاتباع)) (٢) .

وقد روى عن النبي (في هذا المعنى قوله: ((إني أخاف على أمتي من ثلاث: زلة عالم، ومن هوى متبع، ومن حكم جائر)) (٣) .

وليست هناك شهادة بعد هذه الشهادة، فأي معنى للتشبث ببعض المستشنعات التي وردت عن الأئمة، وإفتاء الناس بها، ناهيك عن كثير من المسائل التي يخرِّجها الاتباع على لوازم باطلة لا تصح (٤) ، بل وقد يُنسب للإمام ما لم يقله، كما حدث لأحمد رحمه الله حين نُسب إليه القول أن الغسل


(١) انظر: الفتاوى الكبرى ٦ / ٩٥.
(٢) انظر: الفتاوى الكبرى ٦ / ٩٦.
(٣) الحديث ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد ١ / ١٨٧ قال: وفيه كثير بن عبد الله بن عوف، وهو متروك، وقد حسّن له الترمذي. واحتج بالحديث ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى ٦ / ٩٤٠.
(٤) انظر: إعلام الموقعين ٣ / ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>