.. وقال النسائي: "أمناء الله-عز وجل -على علم رسول الله: شعبة ابن الحجاج، ومالك بن أنس، وسفيان بن عينية، ويحيى بن سعيد القطان، والثوري إمام إلا أنه كان يروي عن الضعفاء (١٤) .
... وسئل أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، رجل يريد أن يحفظ حديث رجل بعينه، فقال أحمد:يحفظ حديث مالك (١٥) .
... وقال وهيب بن خالد: أتينا الحجاز فما سمعنا حديثا إلا نعرف وننكر إلا حديث مالك (١٦) .
وقال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة أعلم بمذاهب تابعيهم من مالك (١٧) .
وقال يحيى بن معين: مالك أمير المؤمنين في الحديث (١٨) .
... وكان -رحمه الله- يكره الجدل والخصومة والنزاع، سواء في ميدان الفكر والعلم النظري وفي الميدان السياسي، وسوف يأتي بحث الجانب السياسي، أما في جانب الفكر والعلم النظري فجاءت روايات نذكر بعضها:
قال الشافعي: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما أنا فإني على بينة من دينه، وأما أنت فشاك، إذهب إلى شاك مثلك فخاصمه. (١٩)
وروي أنه قال: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد -صلى الله عليه وسلم (٢٠) .
وقال له الرشيد يوما: ناظر أبا يوسف- صاحب أبي حنيفة -فقال مالك: إن العلم ليس كالتحريش بين البهائم والديكة (٢١) .
... وقيل له: الرجل عالم بالسنة، أيجاد عنها، قال: لا، ولكن ليخبر بالسنة، فإن قبل منه والإ سكت.
فكان مالك يرى الجدل مفسدا للدين، ومبعدا للناس عن الوحي، فلم يكن من منهجه في العلم الخوض في الجدل والخصومة، فانسجم منهجه في العلم مع منهجه في السياسة وهو عدم الميل إلى الصراع والعنف، وحب الأمن والاستقرار، وهو ما سيأتي بيانه-إن شاء الله.