.. وقد استوعى مالك السنة واستوعب الفقه وأصوله، واستجمع فتاوى الصحابة، حتى شهد له سبعون من أكابر فقهاء المدينة بالكفاية للتدريس والإفتاء فقد روي عنه قوله:"ماجلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أن لي موضع لذلك". وقوله: "قل رجل كنت أتعلم منه ما مات حت n يجيئني ويستفتيني" (٢٢) . وكان إماما في العقيدة وعلوم الشريعة، وصاحب منهج متميز في الاجتهاد. ونشأت على أساس من منهجه مدرسة متميزة في الفكر الاجتهادي في الفقه وأصوله نسبت إليه وأطلق عليها "المذهب المالكي".
ثانيا: الحياة السياسية في عصر مالك (٢٣) :
... كان من مشايخ مالك وأهله من شاهد كثيرا من الأحداث السياسية في القرن الأول الهجري أو سمع من أنبائها، لاسيما أنباء الخروجات والثورات، فسمع مالك من تلك الأنباء، وشاهد بنفسه أحداثا سياسية وقعت في المدينة، وسمع أنباء أحداث وقعت في عصره ضد بني أمية، وعاصر خروج العباسيين على الأمويين واستيلاء العباسيين على الخلافة، وانتهاء أمر الأمويين في المشرق الإسلامي.
... ولعل مالكا أدرك أن الخروج والثورة كان هو الطابع الغالب على الحياة السياسية منذ أن حاصر الأحزاب المدينة وقتلوا عثمان سنة خمس وثلاثين للهجرة، وكان مالك بن أبي عامر جد الإمام مالك أحد أربعة حملوا عثمان بعد قتله- رضي الله عنه-إلى قبره بالبقيع. (٢٤)
... وعلم مالك بوقعة الجمل بين جيش علي وجيش عائشة وطلحة وابن الزبير، ثم الفتنة بين علي ومعاوية، ووقعة صفين، وخروج الخوارج على علي وقتله سنه أربعين، وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية والصلح بين الأمة على يد الحسن -رضي الله عنه-،وأثر ذلك على الأمن والاستقرار في الدولة، وثمرات ذلك على الدين والدعوة والفتوح الاسلامية في عهد معاوية.