.. وعلم مالك بأنباء أخذ البيعة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان بالإكراه وخروج الحسين بن علي على يزيد ومقتل الحسين سنة إحدى وستين، وفرار ابن الزبير من المدينة إلى مكة هربا من الإكراه على البيعة ليزيد، ومحاصرة جيش يزيد له في الحرم ونصب المنجنيق عليها وضربها واحتراق استارها وخشبها، وتصدع جدرانها.
وكذلك، جاءه من أنباء وقعة الحرة سنة ثلاث وستين حيث استولت جيوش يزيد بن معاوية على المدينة بسبب إعلان أهلها خلعه لما علموا من أنباء فسقه وجوره، فاستباحها قائد جيش يزيد واستباحتها، ووقع الجنود على النساء ونهبوا الأموال، قال مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة ممن حمل القرآن. (٢٥) ... وكذلك، تناهى إلى مالك خروج التوابين بقيادة سليمان بن صرد على عبيد الله بن زياد في خلافة مروان بن الحكم سنة خمس وستين ثأرا للحسين، بعد مقتل سليمان بن صرد وأصحابه، ثم خروج إبراهيم بن الاشتر النخعي بالكوفة وقتله عبيد الله بن زياد سنه سبع وستين، ثم مقتل عبد الله بن الزبير سنه ثلاثة وسبعين، بعد أن حاصرته جيوش عبد الملك بن مروان داخل الحرم وضربت الكعبة بالمنجنيق، حتى أصيب ابن الزبير وقتل.
... وسمع مالك الكثير من أبناء ثورات الخوارج في أرجاء الدولة الإسلامية، وشاهد بعضها.
... ولعل مالكا نشأ على سماع أخبار الفتن والصراعات، والقتل وسفك الدماء وإزهاق الأرواح وأدرك أثر ذلك على الأمة والدولة والدين والدعوة، وأن ذلك لم يقم حقا ولم يدفع باطلا.
... وقد رأى مالك أن العباسيين استولوا على الخلافة بطريق الخروج والثورة ولم يكن حالهم بأحسن من حال الأمويين، فقد عضوا عليها وجعلوها وراثية فيهم، وواجهوا العلويين الذين كانوا يرون أنفسهم أحق بالخلافة بالقمع والاضطهاد والتضييق والتشريد.