للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت المدينة هي ما يصلح ان يتجه إليه أبو جعفر لتحقيق غايته، فإن إمامها وعالمها مالك بن أنس هو خير من يمكن أن ينتدب إلى تلك المهمة الجليلة، وهو ما فعله أبو جعفر، فما أن قدم إلى المدينة من العراق والتقى مالكا، حتى حاوره وطلب منه أن يجمع العلم ويجعله علما واحدا ليتولى أمير المؤمنين حمل الناس عليه، فوافق طلب أبي جعفر عزم مالك على تأليفه، غير أن مالكا أبدى معارضته في مسألة توحيد الأمة على رأي واحد، فاجتمع رأيهما على جمع العلم دون توحيد الأقضية.

وإن مسألة وضع كتاب واحد برأي واحد في كل مسألة ليحمل الناس عليه تكررت من الخليفة المهدي ثم من الخليفة هارون الرشيد، وفي كل مرة كان مالك يبين أن المصلحة في عدم حمل الناس على راي واحد أرجح، فمما روي في ذلك: أن المهدي قال لمالك: ضع كتابا أحمل الأمة عليه، فقال مالك: يا أمير المؤمنين، أما هذا الصقع وأشار إلى المغرب، فقد كفيتكه، وأما الشام ففيهم الرجل الذي علمته، يعني الأوزاعي، وأما أهل العراق فهم أهل العراق (٧٧) .

كذلك ورد أن مالكا قال: شاورني هارون الرشيد في ثلاثة، أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على مافية، وفي أن ينقض منبر رسوله الله -صلى الله عليه وسلم -ويجعله من جوهر وذهب وفضه، وفي أن يقدم نافع بن نعيم إماما يصلى بالناس في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا أمير المؤمنين، أما تعليق الموطأ في الكعبة فإن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع فافترقوا في البلدان، وكل عند نفسه مصيب، وأما نقض المنبر فلا أرى أن تحرم الناس أثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم وما تقدمك نافعا يصلي بالناس فإن نافعا إمام في القراءة لا يؤمن أن تبدر منه في المحراب بادرة فتحفظ عنه. فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله (٧٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>