للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالكاف عند الكسائي "في موضع نصب كأنَّ الأصل: أَرَأَيْتَ نفسك على غير هذه الحال ... فهذا يثنَّى ويجمع ويؤنَّث فيقال: أَرَأَيْتُماكُما، وأَرَأَيْتُمُوكُم، وأَرَأَيْتُنَّ كُنَّ، أوقع فعله على نفسه، وسأله عنها، ثم كثر به الكلام حتى تركوا التاء موحّدة للتذكير، والتأنيث، والتثنية، والجمع؛ فقالوا "أَرَأَيْتَكُمْ زيداً ما صنع، وَأَرَأَيْتَكُنَّ زيداً ما صنع، فوجَّدوا التاء، وثنّوا الكاف، وجمعوها، فجعلوها بدلاً من التاء" (١) .

وقول الكسائي هذا قد اعترض عليه أبوعلي الفارسي ت (٣٧٧ هـ) (٢) ، وابن جني ت (٣٩٢هـ) إذ يقول: " ... فذلك غلط من قِبَلِ أنَّ السؤال إنَّما هو عن زيد في صنيعه، ولست تسأل عن المخاطب ما صنع، وأيضاً فلو كانت الكاف هي المفعول الأول، وزيد هو المفعول الثاني لجاز أن تقتصر على زيد فتقول: أَرَأَيْتَكَ زيداً، كما تقول: ظننتك زيداً. فحاجة زيد إلى ما بعده تدلُّ على أنه هو المفعول الأول، وأنَّ ما بعده في موضع المفعول الثاني. وأيضاً فإنَّا نجد معنى: أَرَأَيْتَكَ زيداً ما صنع، وأَرَأَيْتَ زيداً ما صنع، واحداً فدلَّ هذا على أنَّ الكاف للخطاب، وليست مغيرّة شيئاً من الإعراب، وأيضاً فلو كانت (الكاف) هي المفعول الأوَّل، و (زيداً) هو المفعول الثاني لوجب أن تقول للمؤنث: أَرَأَيْتَكِ زيداً، فتكسر التاء كما تقول: ظَنَنْتِكِ قائمة ولوجب أن تقول للاثنين أَرَأَيْتُمَاكُما الزيدين، كما تقول: ظَنَنْتُمَاكُمَا قائمين، وكذلك في الجماعة المذكَّرة، والمؤنثة. فترك العرب هذا كلَّه، وإقرارهم التاء مفتوحة على كلِّ حال يدلُّ على أنَّ لها، وللكاف في هذا النحو مذهباً ليس لهما في غير هذا الوضع" (٣) .


(١) ابن جرير الطبري، تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل أي القرآن) ،٥/١٠/١٩٠، ١٩١.
(٢) أبو علي الفارسي، المسائل العسكرية، ص١٣٩.
(٣) ابن جني، سر صناعة الإعراب، ١/٣١١، ٣١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>