فكان أوّلَ من رسم للنّاس النّحو، وأصّلَه، وأعملَ فكره فيه، أبو الأسود ظالم بن عمرو الدُّؤليّ، وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ (رضي الله عنه) ؛ لأنّه سمع لحناً، فقال لأبي الأسود: اجعل للنّاس حروفاً، وأشار له إلى الرفع، والنّصب، والجرّ، فكان لأمير المؤمنين عليٍّ (رضي الله عنه) فضْلُ الهداية إلى الأساس، ولأبي الأسود الدُّؤليّ فضْلُ القيام بوضعه على ضوء هدي وتوجيه أمير المؤمنين.
ثم اختلف النّاس إلى أبي الأسود يتعلمون العربيّة، ففرّع لهم ماكان أصَّلَه، فأخذ ذلك عنه جماعةٌ، كان من أفذاذهم: عَنْبَسةُ بن مَعْدان الفيل، ويحي بن يَعْمَر العَدْوانيّ، وميمونُ الأقرن، ونصرُ بن عاصم الليثيّ؛ وكان عَنْبسةُ الفيل أبرعَ أصحاب أبي الأسود، وعن عنبسة – أيضاً – أخذ ميمون الأقرن، فكان البارعَ من أصحابه.
وهؤلاء شاركوا في استنباط كثيرٍ من قواعد وأحكام النّحو، وساهموا في نشره وإذاعته بين النّاس.
ثم جاء من بعدهم جيلٌ كان أكثرَ عدداً، من أشهرهم: عبد الله بن أبي إسحاقَ الحضرميّ، رَأَسَ النّاسَ بعد موت شيخه ميمون الأقرن، ولم يكن في أصحاب ميمون أحدٌ مثله، وهو أعلمُ أهلِ البصرة، وأعقَلُهم، ففرّع النّحو وقاسه، وتكلّم في الهمز، وكان رئيسَ الناس وواحدَهم.
وكان في عصره وزمانه أبو عمرو بن العلاء المازنيّ، وعيسى بن عمر الثقفيّ، وقد كان أبو عمروٍ أخذ عن ابن أبي إسحاقَ.
فكان ابن أبي إسحاقَ يُقدّم على أبي عمروٍ في النّحو، وكان أبو عمروٍ يُقدّم عليه في اللّغة.
و– أيضاً – أخذ أبو عمروٍ عمّن أخذ عنه ابن أبي سحاقّ، وأخذ العلم عن ابن أبي إسحاقَ وأبي عمروٍ جماعةٌ، منهم: أبو الخطاب الأخفش الكبير، وعيسى بن عمر الثقفيّ، وكان عيسى أفصح النّاس، وصاحبَ تقعيرٍ في كلامه، واستعمال الغريب فيه.
وعن هؤلاء وغيرهم أخذ جماعة من العلماء، منهم: يُونُس بن حبيب، أخذ عن أبي عمروٍ، والأخفش الكبير.