للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان في زمانه أذكى النّاس وأعلمهم، وأفضل النّاس وأتقاهم، إنّه الخليل بن أحمد الفراهيديّ، إمام أهل البصرة ورئيس طبقته، أخذ عن عيسى بن عمر، وأبي عمروٍ.

وفي عصر الخليل تلاقت فيه طبقته برئاسته مع الطبقة الأولى الكوفية بزعامة أبي جعفر الرُّؤاسيّ الذي أخذ – أيضاً – عن أبي عمروٍ، وهو عالم أهل الكوفة.

فنهض النّحو نهضةً قويةً، واشتد التنافس بين البصريين والكوفيين، والخلاف بينهما في إعمال الفكر واستخراج القواعد نتيجةً للتقصّي والاستقراء للمأثور من كلام العرب.

كان للخليل بن أحمد الفضل الأكبر على علم النّحو بل على كثيرٍ من علوم اللغة العربية، فكان هو عمادها الذي نهض بها في شتى النّواحي، فمن عهده انتظم شتات النّحو، والتأم عقده، واتخذ تعليمه دوره الفنيّ، وهو الذي بسط النّحو، ومدَّ أطنابه، وسَبّب علله، وفتَقَ معانيه، وأوضح الحِجاجَ فيه، حتى بلغ به أقصى حدوده، وانتهى به إلى أبعد غاياته، ثم لم يرض أن يُؤلّف فيه حرفاً، أو يرسم منه رسماً ترفعاً بنفسه، وترفعاً بقدره؛ واكتفى في ذلك بما أوحى إلى سيبويه من علمه، ولقّنه من دقائق نظره، ونتائج فكره، ولطائف حكمته، فحمل سيبويه ذلك عنه وتقلّده، وألّف فيه الكتاب الذي أعجز من تقدم قبله، كما امتنع على من تأخر بعده.

فكان سيبويه أعلم الناس بالنّحو بعد الخليل، ولم يكن في أصحاب الخليل ولا في غيرهم من الناس مثلُه.

لَزِم أستاذه الخليلَ وأخذ عنه النّحو وغيره فبرع، ووافقه في معظم المسائل التي حَكاها عنه في الكتاب، أو سأله عنها؛ وخالفه في بعضِ مسائل البِنْية، وهي موضوع هذا البحث، إذِ الخلاف بينهما فرعٌ، والأصل هو الاتفاق (١) .


(١)
الحواشي والتعليقات
() ... بنيت هذا التمهيد في نشأة النّحو وتطوره وتدرجه على: مراتب النّحويين، وأخبار النّحويين البصريين، وطبقات النّحويين واللُّغويين، والفهرست، ونزهة الألباء، ونشأة النّحو للطنطاويّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>