للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عقد ابن جنّي في كتاب الخصائص باباً لهذه المسألة، سمّاه: "بابٌ في الأصلين يتقاربان في التركيب بالتقديم والتأخير"، قال فيه: (اعلم أنّ كلّ لفظين وُجد فيهما تقديمٌ وتأخيرٌ فأمكن أن يكونا جميعاً أصلين ليس أحدهما مقلوباً عن صاحبه فهو القياس الذي لا يجوز غيره، وإن لم يمكن ذلك حكمت بأنّ أحدهما مقلوبٌ عن صاحبه، ثم أريتَ أيّهما الأصل، وأيّهما الفرع، وسنذكر وجوه ذلك: فمّما تركيباه أصلان لا قلب فيهما، قولهم: جَذَب، وجَبَذ، ليس أحدهما مقلوباً عن صاحبه، وذلك أنّهما جميعاً يتصرّفان تصرّفاً واحداً، نحو: جذَب يَجْذِب جَذْباً فهو جاذب، والمفعول مجذوب؛ وجَبَذ يَجْبِذ جبذاً فهو جابذ، والمفعول مجبوذ.

فإنَ جعلت مع هذا أحدهما أصلاً لصاحبه فسد ذلك؛ لأنّك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعدَ بهذه الحال من الآخر، فإذا وُقفتِ الحالُ بينهما ولم يُؤثَر بالمزيّة أحدهما وجب أن يتوازيا وأن يمثُلا بصفحتيهما معاً، وكذلك ما هذه سبيله) (١) .

الوقفة الثالثة: أنكر ابن دُرُستويه القلب المكانيّ، وذهب إلى أنّه لغةٌ أُخرى، قال السيوطيّ: (ذهب ابن دُرُستويه إلى إنكار القلب، فقال في شرح الفصيح: في البطّيخ لغةٌ أُخرى: طبّيخ بتقديم الطاء، وليست عندنا على القلب كما يزعم اللُّغويُّون، وقد بيّنا الحجّة في ذلك في كتاب إبطال القلب) (٢) .

ولم يوافقه العلماء على ذلك، قال ابن دُريد: (باب الحروف التي قُلبت، وزعم قومٌ من النحويين أنّها لغاتٌ، وهذا القول خلافٌ على أهل اللغة، يقال: جبذ وجذب، وما أطيبه وأيْطبه، وربض ورضب ... ) (٣) .


(١) ينظر الخصائص ٢/٦٩، وانظر المزهر ١/٤٨١.
(٢) ينظر المزهر ١/٤٨١.
(٣) ينظر المزهر ١/٤٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>