أما قبل ذلك فكانت الأخبار والقصص والأشعار في حوافظ الرواة وذواكرهم، فذهب معظم ما كان معهم بذهابهم عن الدنيا.
وما ذكرته أعده مدخلاً لمعاني الشعر المرتبطة بالصحراء، وهي معانٍ كثيرة، ليس في الإمكان أن ألم بها أو ببضعها في هذا البحث، ولكن الدارس يجدها ماثلة في دواوين الشعراء الذين عاشوا في جزيرة العرب، وفي دواوين الشعراء الذين تأثروا بهم.
ومن أبرز الصفات المعنوية التي كونتها الصحراء في نفوس ساكنيها، ودونوها شعرًا يفوح منه عبق الصحراء، ما نلحظه من خصائص المجتمع الجاهلي، وكل مجتمع صحراوي، وهي خصائص تتمثل في الشجاعة والجرأة، والميل إلى المخاطرة، والاستهانة بالموت، والصبر على المكاره، وتحمل الأعباء، والحمل على النفس، والكرم، والنجدة، والإيثار، والتآزر في الملمات، والعفة، والحلم، والعفو عند المقدرة، والوفاء، وإباء الضيم، والميل إلى الحرية، والوضوح في المنطق، والصراحة التي تبلغ أحيانًا حد الإثارة والاستفزاز، والغلظة التي تصل في بعض المواقف إلى الجفاء المعهود في الأعراب، والتكتم، والتمويه الذي يمكن عده نوعًا من المراوغة والخداع، كما كان يحدث في الحروب، والولاء للقبيلة، والتعصب لها، والقيافة. وغير ذلك من الخلال والصفات التي حملها الشعر الذي يصدق عليه وصف شعر الصحراء، سواء أكان شعرًا جاهليًا أم إسلاميًَا، ولا يجد الدارس صعوبة في التمثيل لها من النصوص الشعرية الكثيرة (١) .
أثر الصحراء في الصور الفنية:
(١) لمزيد من التفصيل انظر: الحياة العربية من الشعر الجاهلي، للدكتور أحمد محمد الحوفي. والموضوع في حاجة إلى دراسات تطبيقية أكثر سعة وشمولاً.