كبرت دائرة الألم، أحس معها بخناجر مسمومة تنغرس بلا رحمة لتصل أعماق قلبه المكلوم ... قفز نحو الشرفة وهو يضرب بكلتا يديه، ووقف مشدوهاً وقد اعتصرته الفاجعة بدأ كيانه بالغليان..
جبناء، كلهم جبناء " (١٠٢) .
فهنا نرى الأديبة تستعين لإظهار الضيق النفسي الذي أحس به البطل بلغة موحية مصورة فالخبر " قذائف حارقة " أصابته في " الصميم "، وكلمة الصميم لها مغزاها، وقد أدى به هذا الخبر إلى " التحطيم "، وكأنه " غاص في نفق مظلم "، ولعل اختيارها لكلمة الغوص كان بتأثير بيئتها البحرية عليها، ولكن غوص هذا المسكين كان في نفق مؤلم، ولم يكن لجلب اللؤلؤ، وهو يحس " بأيد ضاغطة، وبالاختناق، وبالخناجر المسمومة، وبخيوط الأحزان تنسج أثواباً، فيضرب بكلتا يده " و " قد عصرته الفاجعة، وأحس بالغليان ".
وهذه اللغة المصورة الموحية تشي بصدق التعبير وجماليته في آن واحد وهي أقدر في الدلالة من اللغة المباشرة، إذ تآزرت فيها الصورة مع اللغة، وجاءت الحروف الجزلة، والانفجارية (١٠٣) معاً لتكمل صورة المعاناة النفسية، وللحروف إيقاعها وظلها وإشعاعها، ولهذا رأينا الأديبة تكثر من الكلمات التي تحوي هذه الحروف:
والتاء في مثل: تباً، مازلت تنسجين، تباع، تنغرس، لتصل، اعتصرته
والطاء في: خيوط، الطريق، انخراط.
والكاف في: بكاء، كبرت.
والقاف في: قارعة، أعماق قلبه، قفز، وقد، وقف.
فهذه الحروف الانفجارية ذات النبر القوي شاركت التصوير في التعبير عن الضغوط النفسية التي كان البطل يعاني منها من جراء القصف العراقي للكويت، كما شاركت في الدلالة على هذه المعاناة أيضاً الهاء اللاهثة والحاء التي تشي ببحة الصوت، ووردتا كثيراً في هذا المقطع: