- هيا سارعي، جهزي نفسك، أنسيت أن اليوم عرسك، لا تتأخري
كانت يد زوجة أبي، تراجعت إلى الوراء، رحت أذرع أرض غرفتي في حيرة وقلق واضطراب، أجل، إن مصير حياتي تقرر، وليس هناك من مفر أو خلاص، كل شيء حولي.. الصخب.. الهزج.. الزغاريد تفرض علي الانقياد.
قمت أجر قدميّ جراً فكأنما أساق إلى موت محقق لأكون كما يريدونني عروساً تلبس ثوب زفاف أبيض.
كنت أشعر لحظتها بمدى كذبي على نفسي أولاً وعلى الناس، وأنا أساق لموكب زفافي ... جلست وسط جموع كثيرة، ودعوات كثيرة، وزغاريد متتالية.. لم أشعر بما يجري حولي فقد كنت ساهمة كتمثال جامد، ضغطت على نفسي في محاولة يائسة حتى أرد على المهنئين بابتسامة باهتة شاحبة.. وكان الزواج " (١١٩) .
لقد أجادت الأديبة في تصوير المفارقة إذ كان الناس في فرحة غامرة، وهي تبدو في ثوب زفافها لا مبالية ... تنقاد للزفاف، وترد على المهنئين بابتسامة باهتة كأنها تمثال جامد ... وبذلك عمقت إحساسنا بمأساة الفتاة المكبوتة.
ووسط الأجواء العاطفية المحملة بمشاعر الحزن والأسى كانت الأديبة تغرق أحياناً في الوصف، فتبدو بعض المواقف العادية بسبب وصفها ذات تأثير كبير على القراء، هاهي ذي تخاطب الطير لتعرفه على إحساسها بالوحدة وبالحزن اللذين أمضا قلبها وهي ترافق أمها في بلد العلاج:
" أعرفك أنني مكبلة بالوحدة، وكل ما حولي يتسكع على أرصفة سفر طويل.. مثلك تماماً يا من ضللت الطريق مهاجراً تطارده أشباح عالم غريب.. محاصر بالخواء من سفري المشحون بالألم نسجت من حروف الكلمات عباءة أتدثّر بها في لياليّ المرعبة.. تحاصرني وحوش الخوف شاهرة سلاحها، تحركه في كل الاتجاهات، ليت الليل الخائف ينام على وسادة من ريش ناعم، وغطاء دافئ، وأحلام وردية؛ يمر الفجر على العيون المسهدة فإذا هي غفوة من نوم خاطف، حتى امتدت أشعة من ضوء النهار تعود روحك الهائمة ويبدأ همسنا معاً، وليس لنا غيره (١٢٠) .