للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ ابن حجر بعد نقله كلامًا للطبري في شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ... وقال غيره: يجب الأمر بالمعروف لمن قدر عليه ولم يخف على نفسه ضررًا منه ولو كان الآمر متلبّسًا بالمعصية لأَنَّه في الجملة يؤجر على الأمر بالمعروف ولاسيما إن كان مطاوعًا، وأمّا إثمه الخاص به فقد يغفره الله له وقد يؤاخذ به، وأمّا من قال: لا يأمر بالمعروف إِلاَّ من ليست فيه وصمة فإن أراد أَنَّه الأولى فجيّد وإلا فيستلزم سدّ باب الأمر إذا لم يكن هناك غيره (١) ، وقال أَيضًا: قال الطبري: فإن قيل: كيف صار المأمورون في حديث أسامة المذكور في النار؟ والجواب: أَنَّهم لم يمتثلوا ما أمروا به فعذّبوا بمعصيتهم وعذّب أميرهم بكونه كان يفعل ما ينهاهم عنه (٢) . فظهر مما نقل عن ابن حجر أن آتي المنكر لا يمنعه ذلك من النهي عنه وأنّ الأمر بالمعروف لا يمنع منه كون الآمر تاركًا له لأنّ له من فعل الخير وعليه ما عليه من فعل الشر كمن سرق في صلاته يكون له ثواب القربة إلى الله وعليه وزر السرقة، ولهذا نظائر كثيرة كمن لبس من الرجال حريرًا أو ذهبًا وصلّى فيه أو توضأ بماء مغصوب وصلّى، وهذه مسألة فيها بحوث ومناقشات للعلماء حول انفكاك الجهة وعدمه مع اتفاقهم على أن الجهة إذا انفكت صحّت العبادة وأثيب المكلّف عليها لكنهم اختلفوا في تحقيق مناط انفكاك الجهة، وليس هذا موضع بسط لذلك وإِنّما هو في الفقه وأصوله. قلت: لا شكّ أَنَّه من واجب الداعي أن يكون قدوة حسنة وأن يكون ملتزمًا شرع الله مستقيمًا في دينه وسلوكه وخلقه ومعاملته لأنّ ذلك أدْعَى إلى قبول دعوته، فإن لم يوجد ذلك وكان عالمًا بما يدعو إليه وبما ينهى عنه، وكان في حال يحتاج أهلها إلى الدعوة لا نقول إِنَّه يترك الدعوة من أجل معصية ارتكبها، ولعلّه باستمراره في الدعوة إلى ما لا يأتيه يلهمه


(١) فتح الباري: ١٣/٥٣، ط السلفية.
(٢) الفتح، المصدر السابق نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>