للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن القيم -رحمه اللَّه-: " وكذلك الإثم مرفوع عمن أبطل من شروط الواقفين ما لم يكن إصلاحاً، وما كان فيه جنف (١) ، أو إثم، ولا يحل لأحد أن يجعل هذا الشرط الباطل المخالف لكتاب اللَّه بمنزلة نص الشارع، ولم يقل هذا أحد من أئمة الإسلام، بل قد قال إمام الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آله: " كل شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق " (٢) .

فإنما ينفذ من شروط الواقفين ما كان لله طاعة، وللمكلف مصلحة، وأما ما كان بضد ذلك فلا حرمة له كشرط التعزب والترهب المضاد لشرع اللَّه ودينه ... والمقصود: أن اللَّه تعالى رفع الإثم عمن أبطل الوصية الجانفة الآثمة، وكذلك هو مرفوع عمن أبطل شروط الواقفين التي هي كذلك، فإذا شرط الواقف القراءة على القبر كانت القراءة في المسجد أولى وأحب إلى اللَّه ورسوله وأنفع للميت، فلا يجوز تعطيل الأحب إلى اللَّه الأنفع لعبده واعتبار ضده" (٣) .

وعلى كل حال: فإن ما يختلف فيه العلماء من اعتبار بعض الشروط أو ردها، فإنما هو ناتج عن اختلافهم هل هي من الشروط المخالفة لأمر اللَّه تعالى، أو من الشروط المرغوبة عند الشارع، أو من الشروط المباحة، فالجميع متفقون على عدم اعتبار ما خالف الشرع - وإن اختلفوا في ضابط ما خالف الشرع-، كما أن الجميع متفقون على مراعاة ما وافق الشرع، واختلفوا في اعتبار ما ليس بمكروه ولا مستحب. واللَّه أعلم.

الأمر الثاني: أقسام تغيير شرط الواقف


(١) ... الجنف: الميل المتعمد. انظر المصباح المنير، مادة (جنف) ١/١١١.
(٢) ... أخرجه البخاري في المكاتب، باب استعانة المكاتب (ح٢٥٦٣) ، ومسلم في العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق (ح١٥٠٤) عن عائشة رضي اللَّه عنها.
(٣) ... إعلام الموقعين ٣/٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>