للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن العذر كذلك أن يشاتمه خصمه ويحرجه فيحلف أن لايخاصمه بنفسه، فإن حلف لايخاصمه من غير عذر لم يكن له أن يوكل إلاَّ برضا خصمه (١) .

وقال ابن عبد البر: ((وإذا شرع المتخاصمان في المناظرة بين يدي الحاكم لم يكن لأحدهما أن يوكل؛ لأن ذلك عند مالك ضرب من اللدد إلاَّ أن يخاف من خصمه استطالة بسبب أو نحوه)) (٢) .

فيحتمل أن يكون ما ذكره ابن عبد البر قولاً آخر أنه يمنع من حين الشروع، ويحتمل أن ما ذكروه تفسيراً له فلايكون خلافاً.

وعلى أي حال فالمعتمد في المذهب ما ذكروه.

ووجهه: أن في التوكيل حينئذٍ إعنات وشر ولايجوز إدخال الإعنات والشر على المسلمين.

وتوضيح ذلك: أنّ من شأن انعقاد الثلاثة المجالس بينهما أن يظهر الحق فالتوكيل حينئذٍ يوجب تجديد المنازعة وكثرة الشر (٣) .

ولم يفرق غيرهم بين التوكيل في ابتداء الدعوى أو بعد مجالسة الخصم مجلسين أو ثلاثة؛ لأن الحاجة كما تدعو إلى التوكيل في ابتداء الدعوى تدعوا إلى التوكيل في أثنائها.

والراجح في نظري هو ما ذهب إليه الجمهور من عدم اعتبار رضا الخصم لجواز وكالة الحاضر ولزومها، وذلك لأن الدعوى والجواب عنها حق للمدعي والمدعى عليه فلكل منهما أن يباشر هذا الحق بنفسه، وله أن يقيم غيره مقامه كسائر حقوقه التي تدخلها النيابة وسواء كان ذلك في ابتداء الدعوى أو في أثنائها إذ قد يحتاج إلى ذلك، والضرر المتحقق يمنع منه.

المطلب الثالث: التوكيل من جانب المدّعى عليه

بعد أن عرفنا في المطالب السابقة حكم التوكيل من جانب المدعي بقي أن نتكلم عن التوكيل من جانب المدعى عليه.


(١) انظر: البهجة ١/٣٣٩، وحلي المعاصم معه، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه ٣/٣٧٨، والشرح الصغير وبلغة السالك عليه ٢/١٨٣.
(٢) الكافي لابن عبد البر ٣٩٤.
(٣) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه ٣/٣٧٨، والشرح الصغير بهامش بلغة المسالك ٢/١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>