للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا استدلال غير صحيح, والغرباء الذين نزلوا الصُفّة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من العزاب والفقراء الذين لا يستطيعون تدبير سكن لهم, ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر دار ضيافة ولا نزل, ولذا كان إنزالهم في المسجد حل لمشكلة, وتوظيف لمكان موجود, وبيان لبعض وظائف المسجد, وهم ليسوا منقطعين عن العمل بل يعملون إذا تيسر لهم ذلك ويبادرون إلى الخروج في السرايا والغزوات, ويتعلمون القرآن والأحكام طيلة مكثهم في المسجد, ومجرد نزولهم الصفة لا يعطيهم فضيلة أو منزلة يتميزون بها عن بقية الصحابة, فليس منقبة لأحدهم أنه نزل في الصفة كما يقال في مناقب الصحابة: مهاجري, بدري, عقبي, بايع تحت الشجرة ... الخ من المناقب والمشاهد العظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبهذا يتضح الفرق بين الصُفّة النبوية ومن نزلها, وبين الزوايا الصوفية البدعية المخالفة في الأصل والهدف والغاية (٢٢) وأنه لا يمكن الاستدلال بالصفة النبوية على جواز بناء الزوايا الصوفية التي تمثل انحرافا عن المنهج النبوي في التعبد والسلوك والجهاد والدعوة.

المسألة الخامسة: الاهتمام بالسنن الربانية وإبرازها

إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وما فيه لحكمة وغاية لأنه الحكيم الخبير, وأجراه على سنن وقوانين منها الثابت ومنها المتغير, وهو كله خاضع لحكمه ومشيئته النافذة, وهذه السنن تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

١ سنن طبيعية, مثل سنة الله في تعاقب الليل والنهار والشمس والقمر, والرياح....الخ.

٢ سنن شرعية, متعلقة بالأوامر والنواهي الواردة في الشريعة ومدى الاستجابة لها أو مخالفتها.

٣ سنن اجتماعية, متعلقة بنشوء الدول وقيام الحضارات وسقوطها, واتجاهات المجتمعات السلوكية والاقتصادية والفكرية.

والذي يهم الباحث في السيرة النبوية ملاحظته هو القسمين الأخيرين من السنن, السنن الشرعية المتعلقة بالأمر والنهي الرباني, والسنن الاجتماعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>