فهو بمعنى (النُّسور) ؛ ولذا لحقت تاء التَّأنيث الفعلَ (تُفدِّي) حملاً على المعنى، ومثلها في كلام العرب: فلانٌ لغوب جاءته كتابي فاحتقرها؛ حيث " أنَّث الكتاب لمَّا كان في معنى الصَّحيفة " (١) ، وهذا ما يسمِّيه النُّحاة بالمؤنَّث المجازي، وحكم (التَّاء) معه جائز (٢) ؛ أي قد تلحق فعلَه التاءُ؛ كما في قول الله تعالى:
(قَدْ جَاءَتكُم بيِّنةٌ مِنْ ربِّكُمْ فَأوفُوا الكَيلَ وَالمِيزَانَ ( [الأعراف ٨٥]
وقد لا تلحقه؛ كقوله عزَّ مَن قائل:
(فَقَدْ جَاءَكُم بيِّنةٌ مِنْ ربِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَة ( [الأنعام ١٥٧]
المسألة الثَّالثة: جرُّ الفاعل ب (الباء) الزَّائدة
وقد ذكر هذا الحكم للفاعل عندما فرَّق (٣) بين (الباء) الدَّاخلة على لفظ الجلالة في قول الله عزَّ وجلَّ:
(كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا ( [النِّساء ٧٩]
و (الباء) الدَّاخلة على الضَّمير المتصل (الكاف) في قول المتنبِّي:
كَفَى بِكَ دَاءً أنْ تَرَى المَوتَ شَافِيا وحَسْبُ المَنايَا أنْ يَكُنَّ أمَانِيَا (٤)
فقد نصَّ على أنَّ مدخولها في الموضعين مختلف؛ حيث إنَّها في الآية الكريمة قد دخلت على الفاعل، بينما هي في البيت داخلةٌ على المفعول به؛ لأنَّ التَّقدير: كفاك داءً، وهو بهذه الموازنة ينبِّه إلى شيءٍ مهم في الفعل (كفى) ؛ وهو أنَّه ليس بالضَّرورة أن يكون كلُّ مجرورٍ ب (الباء) بعده فاعلاً كما هو المشهور (٥) وإنَّما قد يكون داخلاً على المفعول.
من باب تعدِّي الفعل ولزومه
المسألة الأولى: من مواضع وجوب تقدُّم المفعول به على فعله
وذلك إذا كان اسمَ استفهام؛ نحو (أيٍّ) في قول المتنبِّي:
وتَغْبِطُ الأرضُ منها حيثُ حَلَّ بِهِ وَتَحْسُدُ الخَيْلُ منها أيَّها رَكِبَا (٦)