لمَّا كان الطلب - وهو الأمر، والنهي، والدعاء، والتمنّي، والترجّي، والاستفهام، والعَرْض، والتخصيص - لا يقتضي جواباً لعدم توقف شيء منه في الفائدة على غيره، وقد تلاه جواب مجزوم؛ فقد دلّ ذلك على وجود جازم ترتب عليه الجواب فانجزم، ومن هنا أخذ النحويون يبحثون عن العامل الذي جزم جواب الطلب، فاختلفوا في تحديد هذا العامل على أربعة مذاهب:
أوّلها:أن الجازم هو لفظ الطلب ضُمّن معنى حرف الشرط فجزم، كما أن أسماء الشرط تضمنت معنى حرف الشرط "إنْ " فجزمت؛ نحو:" مَنْ يأتني أكرمْه، فأغنى ذلك التضمين عن تقرير لفظها بعد الطلب.
ونُسب هذا المذهب إلى الخليل، وسيبويه، وابن خروف، وابن مالك (١٩) ، ورُدّ هذا القول بالاعتراضات الآتية:
إنّ تضمين الفعل معنى الحرف إمّا غير واقع، أو غير كثير، بخلاف تضمين الاسم معنى الحرف (٢٠) .
إنّ تضمين الفعل معنى الحرف يقتضي أن يكون العامل جملة، ولا يكون العامل جملة، قاله ابن عصفور (٢١) .
إنّ في تضمين الطلب معنى الشرط تضمين معنيين: معنى " إنْ "، ومعنى الفعل، ولا يوجد في لسان العرب تضمين لمعنيين، إنّما يكون التضمين لمعنى واحد.
إنّ معنى " إنْ تأتني " معنى غير طلبي، فلو تضمنه فعل الطلب في نحو: " ايتني آتك " لكان الشيء الواحد طلباً غير طلب؛ أي مضمناً لمعنيين متناقضين.
وهذا الاعتراض والذي قبله لأبي حيّان (٢٢) .
إنّ تضمّن الطلب معنى حرف الشرط " إنْ " غير جائز؛ لأنّ حرف الشرط لابد له من فعل.
وهذا الاعتراض للأشموني (٢٣) . وقد أجيب بأنّ هذا في الشرط التحقيقي لا التقديري، فهو ليس شرطاً حقيقة بل مضمناً معناه (٢٤) .