فصحّ الجزم في نحو:" لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ"،و" لا تعصِ اللهَ تدخلِ الجنةَ "؛ لأنّ التقدير: إنْ لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ، وإنْ لا تعصِ اللهَ تدخلِ الجنةَ؛ فصح المعنى؛ لأن عدم الدنو سبب في السلامة، وعدم المعصية سبب في دخول الجنة.
وامتنع الجزم - عندهم - في نحو:" لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك "، و" لا تعصِ اللهَ تدخلُ النارَ "، قالوا: لأنّ التقدير: إنْ لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك، وإنْ لا تعصِ اللهَ تدخلُ النارَ. فهذا المعنى فاسد - ولا شك - والسبب هو تقدير "لا" بعد " إنْ " الشرطية، ولو لم يقدروها لاستقامت العبارة، واستقام المعنى.
ولم يشترط الكسائي (٥٦) هذا الشرط – وهو تقديره " لا " ضمن جملة الشرط المقدرة – بل يقدر التقدير المناسب للمعنى الذي تدل عليه القرائن، إذ المعوّل عليه في جزم الجواب هو المعنى؛ فيصح الجزم – عنده – في كلتا الحالتين لصحة المعنى بتقدير " لا " في جملة الشرط المقدرة في المثالين الأولين، أي:" إنْ لا تدنُ منْ الأسدِ تسلم "، و " إنْ لا تعصِ اللهَ تدخلُ الجنةَ " وعدم تقديرها في المثالين الأخيرين؛ لأنه واضح فيهما أنّ قصد المتكلم:" إنْ تدنُ من الأسدِ يأكلك "، و " إنْ تعصِ اللهَ تدخل النار ".
ونُسب هذا المذهب أيضاً - وهو صحة الجزم في نحو:" لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك " - إلى الكوفيين عامة (٥٧) .وصرح السهيليّ بجوازه، وقال بأن له نظائر وشواهد يطول ذكرها وخرّجه على ما ذهب إليه الكسائي، أو على إضمار فعل يدل عليه النهي، أو أن يكون منجزماً على نهي آخر.
وقال بأن الثلاثة الأوجه جائزة على أصول النحويين أجمعين (٥٨) وأجازه الأخفش (٥٩) لا على أنه جواب، بل حملاً على اللفظ الأول؛ لأنه مجزوم.
وأجازه الجرميّ على قُبحٍ (٦٠) ، وقال سيبويه:" فإن قلتَ: لا تدنُ من الأسد يأكلْك فهو قبيح إنْ جزمت، وليس وجه كلام الناس "(٦١) .