للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشار إلى التقديم والتأخير في قوله تعالى: (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ((آل عمران: ١٦١) ، مبينا ما في ترتيب الكلام من إعجاز، فقال: "نكتة في قوله: (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ((آل عمران: ١٦١) بدأ بالأبناء والنساء قبل الأنفس، والجواب أن أهل التفسير قالوا أنفسنا وأنفسكم، أي ليدع بعضنا بعضا، وهذا نحو قوله (فسلموا على أنفسكم ((النور: ٦١) في أحد القولين، أي يسلم بعضكم على بعض، فبدأ بذكر الأولاد الذين هم فلذ الأكباد، ثم بالنساء اللاتي جعل بيننا ويبنهم مودة ورحمة، ثم من وراءهم من دعاء بعضهم بعضا (١) ، لأن الإنسان لا يدعو نفسه، وانتظم الكلام على الأسلوب المعتاد في إعجاز القرآن" (٢) . وهذا الترتيب من الأدنى إلى الأعلى، والبلاغيون يطلقون عليه مصطلح الترقي (٣) .

وأشار السهيلي إلى تقديم الفاعل، وهو مضاف إلى ضمير المفعول، وما في هذا التقديم من مأخذ عند علماء النحو بسبب خلل النظم في الجملة، وذلك في قول حسان يمدح مطعما: (٤)

وبكى عظيم المشعرين كليهما ... على الناس معروفا له ما تكلما

فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده اليوم مطعما

قال السهيلي: "وهذا عند النحويين من أقبح الضرورة (٥) ، لأنه قدم الفاعل، وهو مضاف إلى ضمير المفعول، فصار في الضرورة مثل قوله: (٦)

* جزى ربه عني عدي بن حاتم * " (٧)


(١) نظر: تفسير الكشاف للزمخشري، (١/٣٦٩-٣٧٠) .
(٢) لروض الأنف، (٣/١٤) .
(٣) نظر: شروح التلخيص (عروس الأفراح) للسبكي، (٤/٤٧٣) .
(٤) لسيرة النبوية لابن هشام، (٢/١٢٥) .
(٥) نظر: شرح ابن عقيل بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، (١/٤٩٦) . ولفظه: (ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا..)
(٦) لبيت لأبي الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم الطائي، انظر: شرح ابن عقيل، (١/٤٩٦-٤٩٧) .
(٧) لروض الأنف، (٢/١٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>