للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن السهيلي مع إقراره بالقاعدة النحوية، فهو لم يسلم للنحاة عيبهم على بيت حسان، لأن هذا من وضع الظاهر موضع المضمر في مقام التعظيم (١) ، يقول مستدركا على النحاة: "غير أنه في هذا البيت أشبه قليلا، لتقدم ذكر مطعم، فكأنه قال: أبقى مجد هذا المذكور المتقدم ذكره مطعما، ووضع الظاهر موضع المضمر، كما لو قلت: إن زيدا ضربت جاريته زيدا، أي ضربت جاريته إياه، ولا بأس بمثل هذا، ولا سيما إذا قصدت قصد التعظيم وتفخيم ذكر الممدوح، كما قال الشاعر:

وما لي أن أكون أعيب يحيى ... ... ويحيى طاهر الأثواب بر" (٢)

ويلتمس السهيلي مسوغا آخر لصنيع حسان، مجوزا أن يكون مطعما منصوبا على البدل، للمفعول الثاني المحذوف للفعل أبقى، يقول: "ويجوز نصبه عندي على البدل من قوله: وبكى عظيم المشعرين، ويكون المفعول به من قوله: أبقى مجده محذوفا، فكأنه قال: أبقاه مجده أبدا، والمفعول لا قبح في حذفه، إذا دل عليه الكلام كما في هذا البيت" (٣) .

وعرض السهيلي إلى تقديم المفعول على فعل الأمر، وما في هذا التقديم من فائدة، فقال في تفسير سورة المدثر: "وقوله بعد هذا (وربك فكبر ((المدثر: ٣) أي ربك كبر لا غيره، لا يكبر عليك شيء من أمر الخلق، وفي تقديم المفعول على فعل الأمر إخلاص، ومثله قوله: (إياك نعبد) أي لا نعبد غيرك، ولم يقل نعبدك ونستعينك، وفي الحديث: إذا قال العبد: (إياك نعبد، وإياك نستعين ((الفاتحة: ٥) ، يقول الله تعالى: (أخلص لي عبدي العبادة، واستعانني عليها، فهذه بيني وبين عبدي) (٤) " (٥) . والبلاغيون يعتبرون الصيغ السابقة في الآيات من باب القصر، ولم يشر السهيلي إلى اصطلاحهم وإن كان قد فسر الآيات بما يوافق مفهوم القصر.

ثامنا: قيود الجملة


(١) نظر: الإيضاح في علوم البلاغة، ص (١٥٥) .
(٢) لروض الأنف، (٢/١٣٠) .
(٣) لمصدر السابق، (٢/١٣٠) .
(٤) لحديث في مسلم بلفظ آخر،: انظر: مشكاة المصابيح، (١/٢٦٢) .
(٥) لروض الأنف، (٢/٤٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>