للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و“ المجلس ” في البيت عندنا يمثل المدرسة الأولى، لكننا نمارس فيه إرهاباً تربوياً على الطفل، فالطفل إذا ما دخل المجلس، وأحدث حركة، أو حاول المشاركة في الحديث قيل له: “ استح ” ليكتشف في رحلة الحياة بعد ذلك أن الحياء الذي رُبيّ عليه “ عقدته العصبية الخطرة ” ((يرى خطيباً يخطب ويتلعثم. يقول في نفسه هو: لا يحسن الخطابة. يسمع الناس يقولون: يستحي! يدخل إلى مجلس غاصّ فيرتعد، يعرق، يبتسم الناس، ويسألونه لماذا تستحي؟ يسمعهم يقولون: فلان يستحي كالنساء. يرى الذين لا يستحون يتصدرون المجالس، والذين يتوقحون يسيطرون عليها ولو سيطرة ظاهرة، ويضحك الناس لهم تشجيعاً)) (١) .

والبيت في كثير من رؤى حمزة شحاتة كون مليء بالمتاعب ((في البيوت التي انهدمت كما في البيوت القائمة، نفس الأسرار والمتاعب والكوارث.. والفرق في الظهور والخفاء مع اختلاف يسير في الكم والكيف إذا روعيت الدقة)) (٢)

السعادة عند حمزة شحاتة لا تحب البيوت إذ ((لو كانت السعادة تحب البيوت لما امتلأت المقاهي والملاهي بروّادها)) (٣) .

هكذا يفقد البيت حميميته ويفقد معه حمزة وجوده فبدون البيت يصبح الإنسان كائناً مقتتاً كما يقول باشيلار (٤) .

وحين يكتب حمزة شحاتة رسائله إلى ابنته تظل هذه الصورة النمطية للبيت حيّة في كلماته، فالبيت هو المكان الذي تتسلّل إليه التفاهات (٥) . ولكنه في مواطن كثيرة يحث ابنته على التفاؤل والبحث عن السعادة مع زوجها في طريقهما الطويل، وكأنه بهذا الإلحاح الدائم عليهما في رسائله يقدّم صورة جديدة للبيت على الأقل كما ينبغي أن يكون.


(١) نفسه ص ٩٠.
(٢) رفات عقل ص ٣٩.
(٣) المرجع نفسه ص ٦٤.
(٤) جماليات المكان ص ٣٨.
(٥) إلى ابنتي شيرين ص ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>