أقيم هذا البيت ليكون مركزا يتجه إليه المسلمون كل يوم خمس مرات ليوثقوا الصلة بربّهم، وليلتقي حوله جموع المسلمين من أقاصي الدنيا، يؤمه أهل الإيمان لأداء فريضة الله وتجديد عهد الطهر والتحرر من عبودية الغير، وليمثل حلقة وصل تجذب العباد إلى الله ليبقى دَوِيّ العبادة وذكر الله في أذهانهم قائما دائما، وليتذكروا على الدوام أن جزاء التضحية والاخلاص لدين الله هو رفع درجات المحسنين المخلصين، وتخليد عمل العاملين:(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ((البقرة ١٢٥) . (١) .
وليذكّرهم بأن أداء العمل محض إمتثال، ومطلق القيام بالواجب لا يستوجب الأجر، قال تعالى:(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ((البقرة ١٢٥- ١٢٧) . بل لا بد في إتيان الطاعات من الابتهال والتضرع في قبولها، ولا بد من الصبر والاحتساب على
الابتلاء فإن الله تعالى لن يناله لحومها ولا دماؤها ولا يريد تعذيب العباد أو قتلهم، ولكن يناله التقوى والاستسلام التام منكم في كل أمر ونهي
المطلب العاشر:(المبادرة بامتثال أمر الله بذبح ابنه)
إن كمال الإيمان يستدعي مبادرة الامتثال وإن قوة اليقين يستلزم الصبر والثقة والثبات، وإن في سبيل الحب الصحيح يرخص كل غال وثمين، فإذا خلد الله تعالى ذكر خليله (في العالمين ببناء بيته الحرام، فكذلك رفع ذكره بمبادرته بامتثاله لأمر ربّه بذبح ابنه وفلذة فؤاده، على حين طلب الخليل (من ربّه على كبر السن وبرغبة الفطرة: (رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم ((الصافات ١٠٠، ١٠١) .
(١) انظر أحكام القرآن للقرطبي ج٢/١١٠- ١٢٠، روح المعاني للألوسي ج١/٣٧٨- ٣٨٥، في ظلال القرآن لسيد قطب ج١/١١٣.