للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنها لفتة قرآنية عظيمة نشاهدها من خلال هذا الموقف كما يصفها الألوسي بقوله: لم يتظاهر إسماعيل (في تنفيذ المهمة الشاقة بالطَولِ والجلادة والشجاعة والإقدام، بل علق الأمر بمشيئة الله استعانة وتبركا وتواضعا وتأدبا مع الله، معترفا بضعفه مدركا حدود قدرته وطاقته في الاحتمال، ليعينه على طاعته فقال: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين ((الصافات ١٠٢) أي: من جملة الموفقين للصبر مع ما فيه إغراء للأب على الصبر لِما يعلم من شفقته عليه من عِظم البلاء، حيث أشار إلى أن لله عِبَاداً صابرين (١) .

قال (: (فلما أسلما وَتَلّهُ للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم ((الصافات ١٠٣، ١٠٤) (٢) أي قد وقع العمل موقع الرضى والقبول، ونتائجه قد ظهرت والغاية منه قد تحققت والله لا يريد تعذيب عباده ولا يريد دماءهم ولا أجسادهم في شيء، فكانت النتيجة: (قد صَدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين، إنّ هذا لهو البلاء المبين، وفَدَيناه بِذِبْح عظيم ((الصآفات ١٠١- ١٠٧) . فشرع الله الذبح والأضاحي وإراقة الدماء تخليدا لذكرهما وتعظيما لأجرهما وشريعة يعمل بها إلى يوم القيامة، امتثالا لأمر الله وإطعاما للبائس الفقير (٣) .

المطلب الحادي عشر: (الدعاء والتضرع إلى الله)


(١) روح المعاني للألوسي ج٨/١٢٩.، وفرق بين قول إسماعيل (وبين قول موسى (: (ستجدني إن شاء الله صابرا (فلم يوفق موسى (للصبر لأنه لم يسلك هذا المسلك من التواضع في قوله: (ستجدني إن شاء الله صابرا (حيث لم ينظم نفسه الكريمة في سلك الصابرين، بل أخرج الكلام على وَجْهٍ لا يُشْعِرُ بوجود صابر سواه، فلم يتيسر له الصبر، مع أنه لم يُهْمِل أمر الاستثناء.
(٢) ومعنى قوله تعالى: (تَلّهُ للجبين (أي صرعه على شقه فوقع أحد جنبيه على الأرض. تفسير الكشاف للزمخشري ج٤/٥٢.
(٣) أحكام القرآن للقرطبي ج١٥/٩٧- ١٠٧، فتح القدير للشوكاني ج٤/٤٠٣، روح المعاني للألوسي ج٨/١٢٧- ١٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>