للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالآية تخاطب قوماً يرون في الرسول الكريم (القدرة على أن يملك لنفسه الضر والنفع ويعلم الغيب (١) ؛ فناسب حالة الشك هذه أن يقترن الأسلوب بالنفي والاستثناء - وهي طريقة من طرق التأكيد - وما ذاك إلا لإزالة الشك من نفوس المخاطبين (٢) .

أما عند مخاطبة المنكر للأمر؛ فلا بدَّ من سبر أغوار نفسه ومعرفة مدى قوة ذلك الإنكار حتى يأتي الخطاب مقروناً بمؤكدات كافية تناسب ذلك وحتى يكون الكلام مطابقاً للحال. وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم؛ فاستمع - مثلاً - إلى قوله تعالى (٣) :

{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}

فالآية الكريمة ينقل لنا حالتهم وعلمهم بعدم تصديق السامع لهم؛ فدعاهم ذلك إلى تأكيد حديثهم ب (إنَّما) ويأتي الرَّدُ مناسباً لإنكارهم تلك الحقيقة والمداراة منهم. لذا جاء الكلام مؤكّداً بأكثر من مؤكّد وذلك حسب قوَّة إنكارهم (٤) .

ومثله ماجاء في قوله تعالى (٥) :

{واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززننا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون}

ثم قالوا في المرة الثانية (٦) :

{ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون}

فمقتضى ماهم عليه من حال الإنكار في المرة الأولى أن يأتي كلام المرسلين مؤكَّداً بأحد المؤكدات وهي (إنَّ) - فقط - في قوله (٧) :

{إنا إليكم مرسلون}


(١) تفسير البحر المحيط (أبو حيان الأندلسي) ، ٤/٤٣٦، ط (٢) ، دار الفكر.
(٢) من بلاغة القرآن، د. أحمد أحمد بدوي، ص١٥٨، ط (بدون) ، دار نهضة مصر للطباعة والنشر (بتصرُّف) .
(٣) سورة البقرة: ١١-١٢
(٤) المؤكدات هنا هي: ألا الاستفتاحية، إنَّ، ضمير الفصل.
(٥) سورة يس: ١٣-١٤
(٦) سورة يس: ١٥
(٧) سورة يس: ١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>