للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقتضت حال الإنكار الثانية وهي أشدُّ من الأولى أن يأتي السياق الكريم بأكثر من مؤكّد (١) ؛ لإثبات ماجاءوا به ولإزالة تكذيب المخاطبين وإنكارهم للدعوة الراشدة، فجاء في سياق الآية الكريمة (إنَّ، ولام الابتداء) التي اقترن بها الخبر، مع ما يشعر بالقسم في قوله {ربُّنا يعلم} .

ومن مقتضى الحال أيضًا أن يؤكّد القرآن الكريم أمرًا حقيقيّاً لا جدال في وقوعه، وذلك لأن المخاطب أصابته الغفلة عن إدراك تلك الحقيقة أو مجرَّد التفكير في المصير.

فقال تعالى (٢) :

{ثُمَّ إنكم بعد ذلك لميتون ثُمَّ إنَّكم يوم القيامة تبعثون}

فالموت والبعث - لدى المؤمن - أمران لايحتاجان إلى تأكيد، أما الكافر فقد اقتضت حاله أن يؤكَّد له ذلك بأكثر من مؤكّد

تلك هي الأحوال التي يراعي فيها المتكلّم حال المخاطب الظاهرة...... (٣)

مطابقة الحال مع مخالفة الظاهر

وهنا قد تتطلَّب الظروف أن يتغاضى البليغ عن حال ظاهرة؛ فيخالف القواعد المذكورة ويأتي حديثه - رغم ذلك - بليغاً لأنه طابق فيه الحال. فلو طُلب - مثلاً - من مسلمٍ عدم الإهمال في صلاته رغم علمه بوجوب ذلك فيقال له:

صلواتك الخمس حافظ عليها ولا تترك واحدة منها.

فلا بُدَّ أن حالة إهماله في صلاته كلها أو في بعضها اقتضت أن يُحدَّث بالطريقة التي يحدَّث بها الجاهل بالخبر وذلك لعدم عمله بموجب ذلك العلم (٤) .

كذا إذا خوطب غير المُنكر للخبر أو للحُكْم مخاطبة المُنكر كما جاء في قوله تعالى (٥) :

{إنك لا تهدي من أحببت ......} الآية

فالمخاطب هو رسول الله (وهو غير


(١) من بلاغة القرآن، ص١٤٥ (بتصرُّف) .
(٢) سورة المؤمنون: ١٥-١٦
(٣) من بلاغة القرآن، ص١٤٧ (بتصرف) .
(٤) البلاغة في ثوبها الجديد (علم المعاني) ، ص٧٣ (بتصرُّف) .
(٥) سورة القصص: ٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>