للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُنكر لذلك، ويعلم تماماً أن الهداية من الله وحده عزَّ وجل وبإرادته سبحانه وتعالى ولكن لفرط حرصه عليه الصلاة والسلام ولاهتمامه بتبليغ الدعوة كان مشقّاً على نفسه في محاولة هداية من أحبَّ من قومه وكل من حوله من أهله، فكان من مقتضى هذه الحال أن يخاطب مخاطبة المنكر للخبر لأن تصرفه عليه الصلاة والسلام وحرصه الشديد اقتضيا ذلك الأسلوب في الخطاب (١) وهو التأكيد ب (إنَّ) في قوله:

{إنك لاتهدي من أحببت......} الآية.

كذا قد يخاطب المُنكِر مخاطبة غير المُنكِر؛ فلا يؤكد له الكلام بأي مؤكد لوجود الأدلة الواضحة على صدق ما يقال له كما جاء في قوله تعالى (٢) :

{ألم ذلك الكتابُ لاريبَ فيه هُدى للمتقين}

فرغم أن القران الكريم نزل على محمد (وخاطب به المشركين المنكرين له، إلاَّ أن الآية - وأمثالها كثير (٣) - خلت من أدوات التوكيد، لأن السامعين يشهدون شهادة لايدانيها شك في فصاحته وبلاغته التي أعجزتهم (٤) .

وقد يخاطب غير السائل مخاطبة السائل المستشرف للحقيقة، كما يقال لشخص - مثلاً -:

لاتجادل في الحق، فالحق أحق أن يُتَّبع فحال السامع هنا اقتضت هذا الخطاب الذي قُدّر قبله سؤال محذوف بعد نهاية الجملة الأولى مباشرة، وهو (لِمَ لا أجادل في الحق؟) (٥) .

ومن هذا الباب قوله تعالى (٦) :

{ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}


(١) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي، ٦/٥٠١٥، كتاب الشعب (بتصرُّف) .
(٢) سورة البقرة: ١
(٣) انظر مثلاً الآيات (سورة إبراهيم: ٣٢-٣٣) ، (الكهف: ١) ، (النور: ١) .
(٤) انظر قول الوليد بن المغيرة عن القرآن في القرآن المعجزة الكبرى، د. محمد أبو زهرة، ص٥٦، دار الفكر العربي.
(٥) كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، ٢/٩٣ (بتصرُّف) .
(٦) سورة الحج: ١

<<  <  ج: ص:  >  >>