ومن خلال العرض السابق لسيرة الشعراء الستة الذين تقدم ذكرهم، تبين لنا وجود عناصر غريبة في سلوكهم تتعارض مع سماحة الإسلام وقيمه. فهم جميعا أدركوا الجاهلية وعاشوا بها ردحاً من الزمن، وامتد بهم الأجل طويلاً في الإسلام حتى أدركوا زمن الأمويين.وكان عليهم أن يلائموا بين حياتهم السابقة وبين ما حدث من تحولات جسيمة في المجتمع العربي بعد ظهور الإسلام. ومع ذلك لم تبرأ نفوسهم من ظلال الجاهلية، ولم تبدل الدعوة الكثير من المفاهيم التي توارثوها فظل ذلك يعيش معهم في حياتهم الجديدة في الإسلام. ومعنى هذا أن إسلامهم لم يعدل من مواقفهم الفردية، ولذلك لم يستطيعوا أن يتقيدوا بحدوده، أو أن يمتثلوا لأوامره ونواهيه. فهم كما يبدو قد طبعوا على الشر وكلفوا به وانصرفوا إليه وقد وجدوا في الشعر متنفساً لهم يعبرون فيه عن غربتهم في الإسلام، وسخطهم على قيمه وتعاليمه.
وخلاصة القول فإن أبا الطمحان القيني جمع إلى لصوصيته المجون والفسق. وإذا كان قد أقلع عن اللصوصية في الإسلام لكبر سنه. فإن حياته في ظل الإسلام لم تخل من لهو وعبث يصل أحياناً إلى حد الخلاعة والمجون. وإذا كانت ليلة الدير، كما ذكر، هي أدنى ذنوبه فكيف يمكن أن نتصور أقصاها وأكثرها سوءاً. إن هذا الخبر الذي تواترت روايته يمثل تطرف أبي الطمحان في الإسلام وإيثاره لحياة اللصوصية. والتمرد على القيم والأخلاق والأعراف كما أن شعره على قلة ما وصل إلينا منه يعبر عن نوازع قلقه وغربته عن المجتمع الذي يعيش فيه وحنينه إلى مظاهر حياته في الجاهلية.
أما شبيل بن ورقاء فقد ضاق صدره بالإسلام ولذلك أنكر على ابنته حينما أمرته بالصوم في شهر رمضان.