أما ابن مقبل فلم يتعمق الإسلام نفسه ربما الجاهلة ولذلك لم يجد حرجاً في أن يوجه شعره في الإسلام ليمجد به عادات الجاهلية وتقاليدها ويجعلها دائماً حاضرة في ذهنه. ولا يهتم بالإسلام ويتحدث عنه إلا فيما ندر. وقد وجد في البادية ملجأ يلوذ به، ويفلت به من أعين الرقباء.
وإذا تجاوزنا هؤلاء الشعراء إلى الأسماء الأخرى نجد أن الحطيئة قد ارتد بعد إسلامه وشارك بشعره في حركة الردة وأعان به المرتدين ضد أبي بكر رضي الله عنه، ثم أدركته التوبة مرة أخرى. ومع ذلك ظل حتى آخر حياته موثراً لحياة الجاهلية، ونافراً من الحياة الإسلامية. واللحظات الأخيرة في حياته تصور مجونه واستهتاره، وتظهره رجلاً رقيق الدين. يسخر وهو على فراش الموت من فرائض الدين، ولا يعتد بما أمر الله به. وتدل كل إجابة في وصيته – إن صحت نسبتها إليه – على معنى مخالف للإسلام. فوصيته بماله للذكور دون الإناث تخالف صريح ما نصت عليه آية الميراث في سورة النساء (٧٨) وحينما راجعوه وقالوا له: إن الله لم يأمر بهذا! أجاب لكني آمر به (٧٩) وإلى جانب ذلك ظل الحطيئة حتى آخر حياته كلفاً بالشر، فقد تغير كل شيء من حوله في ظل الإسلام إلا نفسه، فقد نفرت من الحياة الإسلامية وآثرت عليها حياة الجاهلية لما فيها من لهو وحرية. ولهذا لم يجد حرجاً من مخالفته لأوامر الدين، وعدم التزامه بأحكامه وتعاليمه. وتطورت الأحداث السياسية منذ مقتل عثمان رضي الله عنه، ووجد بعض الشعراء متنفساً لهم في تلك الفتنة التي مرت بالجماعة الإسلامية، فانحرفوا عن جادة الدين والخلق. فالنجاشي الحارثي لا يلقى بالاً بحد من حدود الله، ولا يشعر بذنب أو خطيئة وهو يقبل على الخمرة ويحتسيها في رمضان. بل يمضي في تهتكه واستهتاره بالإسلام وقيمه. ويمثل في شعره سقوطاً آخر، يتجاوز فيه كل الحدود التي رسمها الإسلام للشعر. فالهجاء الذي كان يلقى معارضة شديدة من الخلفاء لأسباب دينيه،