وذلك يتجانس مع طبيعة البحث القائم على الموازنة وإبراز الخصائص ويخالف رغبة الباحث الراغب في أن يظل صوته متصلاً دون خفوت. لذلك لم يتجانس هذا التوجه مع رغبتي في البحث، ولكنه تساوق مع مقتضيات المنهج العلمي، خاصة في الجانب الفكري من نتاج أحمد جمال، إذ خفت صوتي فيه كثيراً، وعولت فيه على الاستشهاد بأقوال الشخصية. ومرد ذلك هو طبيعة المنهج العلمي، الذي اختطّه أحمد جمال لنفسه، بانتقاله من واحة الشعر الوارفة الظلال والأخيلة، إلى عالم الفكر المتوهج والمشرق، بما لا يستدعي تدخّل الباحث بالتحليل والاستنباط إلا باليسير من الجهد والاستنتاج إذ أسهم الأستاذ جمال في تقديم رؤاه وأفكاره، واضحة جلية، خاصة وأنه يغمس يراعته في بحوث في مجالات الفكر، والدراسات الإسلامية بما يقتضي الوضوح والائتلاق للوصول إلى الإقناع والتأثير. وحرص البحث على مناقشة كل موضوع وجزئية بتجرد وحيدة سائلاً الله عز وجل أن يلهمنا الصواب في القول والعمل، مستمطراً إياه شآبيب الرحمة والمغفرة، على أرواح وأر ماس هؤلاء الأعلام،وأن يجعل ما قدموه في موازين أعمالهم، وقد حلوا بساحة أكرم الأكرمين.
التكوين والإرهاصات:
يتسنم الكاتب والمفكر الإسلامي أحمد محمد جمال ذروة إعجاب متنام،كمحصّلة للاهتمام الذي كان يحفه من قارئيه ومحبيه، ويتبوأ منزلة فريدة، قلّ أن يحظى بها مضارعوه من أرباب اليراع، ليس لأنه مفكر نذر نفسه وفكره وقلمه لقضايا عقيدته، مناقشة ودفاعاً وتحليلاً فحسب، بل لأنه إضافة إلى ذلك، استهل حياته منذ يفاعته، منتهجاً سبل التوجه الإسلامي قولا وعملا ومبدأ، متجافياً عمّا يخدش هذا المسار، ويمسه بشائنة، أو ظن، مقتنعاً بأن القدوة هي أنجع السبل للاقناع والتوجيه، محققا بذلك التضامن الرائع، بين المنهج والسلوك كوسيلة مثلى تغري الآخرين بالمحاكاة والاحتذاء.