والأمر يمثل ظاهرة تضاهي المنافسة المعروفة -بشد الحبل- ويكون الخاسر فيها في الأغلب والأعم هو الشعر فلقد دلف من بوابة الشعر الأستاذ مصطفى صادق الرافعي والأستاذ سيد قطب ثم عادا ادراجهما ليلجا بوابة الدراسات الإسلامية.
والمرء يكمن قدره فيه، ويتوارى بين طيّات نفسه، حتى يتزامن مع أوان حينه، لينبلج على أديم الواقع متجسداً وملموساً، ومن يقرأ شعر أحمد جمال بعين ناقدة نافذة، ورؤى مستقبلية تتخطى تلال الزمان، وتستشرف غده، ليستطيع القطع بأن الشاعر سيتوقف عند مرحلة محددة، وسيسلم العصا -على غرار إبطال سباق التتابع- للكاتب والمفكر الإسلامي.
فالتوجه الديني والخلقي سمة تلتمع بين ثنايا شعر يمثل صبا الشاعر ويفاعته، وهي فترة تمثل فورة التمرّد والجموح لدى أقرانه من الشعراء، وخير ما يمثل الشاعر في هذه الحقبة، قصيدته التي يرد بها على شاعر رمز لنفسه ح، س ولعله الشاعر الأستاذ حسين سرحان، الذي نظم قصيدة في خمسة عشر بيتا جاء فيها.
ذكرتك والسحر الغريب مرفرف
على شفتيك الّلعس أو خدك الدامي
ومنها:
مضى لك يوم في صباك محجّل
ويا ربّ يوم في الغرام كأعوام
ويا ربّ عطف لان منك على يد
منزّرة النعمى مكثّرة الذّام
ومنها:
وفي كلّ نفس من غرورك بضعة
تلوح وتخفى في جلاء وإبهام
فأنشأ الأستاذ أحمد جمال قصيدته المعنونة ب (إفك مدفوع) وهو عنوان له دلالته المتجذّرة في الثقافة الإسلامية ويقول فيها:
رميت أخاك العفّ في عرضه السامي
فوا بؤس مرمي، ويا بئس من رام
زعمت خلاف العقل والنقل أنني
فتى مثل اترابي أسام لمستام
وما ظفرت بالوصل مني خشارة
ولا سقيت في الحب من فيضي الطامي
ولا لان عطفي - وهو صعب- على يد
منزّرة النعمى مكثّرة الذّام
وأصوب ما أحجوه أنك ناضح
بما فيك.. هل ما فيك نبعة إجرام
فلو جئت تستفتي صحائف حاضري
وغابرتي، أعظمتني أيّ إعظام
حبست صباي الغض للدرس، أستقي
من المنهل الأقصى لا ملأ أيامي