للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم ما نمّت عليه من توجهات دينية والتزام خلقي دلالات هذه العناوين ومسميات هذه القصائد والمقطّعات إلاّ أن الشاعر استطاع تحقيق المعادلة التي توخاها والمرمى الذى استهدفه فطافت شاعريته رياض الشعر المخضوضرة وجابت آفاقه المتوردة كقوله:

قسماً ما استطبت بعدك حبا

يا حبيبا قد طاب بعدا وقربا

ذكرياتي وذكرياتك ذخري

من هناء الشباب قبلا وغبّا (١٢)

دون أن يفقد الشاعر سمات الالتزام الذي ضربه على شاعريته، ودون أن يندّ عن المسار الذي اختطّه لنفسه، كما في قوله في قصيدته هجر بهجر:

أذكر فما زلت مذكارا لسالفنا

أيام ألفتنا ... ساعات نجوانا

أيام كنت توافيني على شغف

فنختلي وعفاف الحب طيعانا (١٣)

إلا أن هذا العقال لم يكن ليتواءم مع انطلاقة الشعر النافرة، فأفضى الى ما جسده طرفة في قوله:

لكالطّول المرخى وثنياه باليد بيد أن أخطر القضايا التي ينطوي عليها شعر أحمد جمال، وتستوجب التأمّل والدراسة - في نظري- تتصل بمعجمه اللغوي الثري والمتنامي، وقدرته الفذة على التوليد والاشتقاق، بما يرتقي به إلى معارج التسمية بالشاعر الخلاق، فاللغة لديه لم تكن أسيرة القوالب النمطية، والصيغ المحكية، والعبارات التقليدية، رغم أنها سمة تفشت في تلك الفترة، ولم يفلت من زمامها إلا قلّة من الشعراء المبدعين، وبوسعك أن تلحظ بعض الصيغ والمفردات فيما قرأته من نماذج شعره، كقوله: (أسام) (لمستام) (منزرة) (ما أحجوه) (غابرتي) (فأكرب) (أمالة) (أدريها) (تحجوه) (مجرام) (مسوّأة) (طيعانا) لتتحقق من أن الشعر واللغة خسرتا بانحسار شاعرية الشاعر وجزرها عن الامتداد إلى عوالم أرحب تثري من خلالها المحتوى اللغوي، وتضيف إلى المعجم الكثير من الدلالات والتراكيب المخصبة والمتوالدة في نماء وازدهار، شأن الشعراء الذين كان يتبعهم اللغويون ليتلقفوا ما ابتكروه وأبدعوه من دلالات وصيغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>