للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الديوان الكثير من النماذج والشواهد على بنى الألفاظ التي منحها الشاعر دفقة الحياة بإعادتها للاستخدام، ووهبها القدرة على الحركة، بعد أن كانت مواتا متوارية في المعاجم وكتب اللغة.

وبوسعنا أن نقرر مطمئنين، أن السدّ الذي بناه الأستاذ أحمد جمال ليحول دون استمرارية تيار شاعريته وتدفقه، كان أمراً حتمياً، رغم قدرته على استمرار جريانه وتدفقه إلى جانب بقية التيارات، التي حفل بها قلمه ورعاها فكره.

ولكن المتأمّل يتبيّن له تعذّر الجمع بين التيار الشعري وتوجه الفكر الإسلامي، فالشعر يتمحور حول الخلق اللغوي ويستلزم ضربا من التهويم والتحليق في عوالم الخيال وغابات الألفاظ، ومن أخص سماته أنه يستدعى قدرا من الغموض الذي تمليه طبيعته كما يستنتج ذلك أشهر دارس للغموض وليم أمبسون (William Empson) في كتابه المشهور (Seven Types of Ambiguity) . حيث يقول: (ان الغموض ليس مطلباً لذاته، ولا يعتد به كخدعة نسعى الى ايجادها ولكنه يتولد من الحالة الخاصة التى تبرر وجوده) (١٤) .

لكي تتاح للقارىء فرصة إعمال الفكر والإسهام في خلق نصّه الخاص به والمتشكّل من خلال قراءته، وفق المنهج المعروف نقديا بمعاودة القراءة (Re-Reading) ، ولن ننأى عن ذلك بعيدا في الاستشهاد والتمثيل، اذ سنورد قصيدة لشاعرنا يفوق عنوانها مضمونها غموضا، وهي قصيدة (مؤوف) ، ويقول فيها:

جمالك يغري العقل بالسبح في الهوى

فبادرة الوجدان أعذر في السبح

جمالك يوحي بالثناء لماهر

أجادك تذكارا على بارىء سمح

ولكن سراً فيك.. ينهش علمه

فؤادي ويمتاح المدامع للسفح

إذا الوردة الفيحاء سيم صيانها

بكف أثيم الكف تعجل للصوح

وتأنف أنف الطيبين شميمها

ويرتدّ عنها الطرف يبخل باللمح

أخي-وندائي ها هنا عطف اّسف-

على بلبل يستبدل الطين بالدوح

لهاتك بالذكر الأجلّ شجية

محبّبة الترتيل بالسّنح والبرح

وصوتك رقّاص الترانيم موفز

عواطف مروىّ العواطف للنضح

<<  <  ج: ص:  >  >>