إنه الطريقة الوحيدة التي اهتدى إليها الإنسان بحكم تكوينه البيلوجي والنفسي للتعبير والتنفيس عن انفعالاته. ومنذ ذلك الوقت تحددت لذلك الفن خصائص، استطعنا أن نتبينها في وضوح عندما ظهر أسلوب آخر للتعبير واستخدام اللغة هو النثر، فقد لوحظ أن الإنسان قد اهتدى إلى هذا الأسلوب، عندما أراد أن يعبر عن أفكاره، ومن هنا ارتبطت (الانفعالات) بالشعر، و (الأفكار) بالنثر. ولكن الخطأ في الفهم يأتي عادة من النظر إلى (الانفعالات) و (الأفكار) على أنها أشياء متعارضة أو متناقضة. وهذا من شأنه أن يجر إلى أخطاء كثيرة في فهم الشعر والنثر على السواء. وليس هناك تعارض، بل هو مجرد اختلاف) (١٧) .
وهذا التقسيم بين ميداني الشعر والنثر، وربط الشعر بالانفعال والنثر بالأفكار، جال بأذهان بعض الباحثين، لارتباطه بنشاط المبدع وقدراته في التأثير على المتلقي، وتولد معه التساؤل:(إذا كانت أهمية الشعر نابعة من طريقته الخاصة في تقديم المعنى، وتأثيره في المتلقى، فهل ينحصر دوره في إحداث نوع من المتعة الشكلية الذهنية الخالصة، فيعجب المتلقى -مثلا- ببراعة الشاعر، ومهارته في الدلالة على معانيه فحسب؟ أم أن دور الشعر يتجاوز حدود هذه المتعة، ليصل إلى إثارة انفعالات المتلقي، إثارة خاصة تفضي به إلى اتخاذ وقفة سلوكية محددة؟ إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تساهم - بلا شك - في معرفة تصور الناقد القديم لحقيقة الدور الذي يمكن أن يقوم به الشعر في المجتمع الإنساني، وتكشف في نفس الوقت عن تعدد الأدوار التي تعطي للشعر أهميته كنشاط إنساني متميز)(١٨) .
وكأن تأثير الشعر في المتلقي ها هنا يشكل انعكاساً وامتداداً للمفهوم المتوارث حول أثر الشعر في متلقيه عند القدماء.