للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأن مرحلة الشّعر تمثل الهدوء الذي يسبق العاصفة، أو هي بتصوير آخر مرحلة الاسترخاء والاستجمام، المقصود به التهيؤ لخوض عمار معركة، أو الاشتراك في منازلة، أو منافسة رياضية.

وإن شئت من منظور آخر، فهي مرحلة تسخين، كما ينتهجها الرياضي استعداداً للنزال والتنافس، ليحظى بالتفوق في مباراته.

أو هي فترة التدريب، ليتسنى للكاتب أن يحقق ارتفاع منسوب اللغة في معجمه، وتوسيع مقدرته اللغوية، من خلال الاستفادة من المرحلة الشّعرية بالتوليد والاشتقاق.

فالشاعر أقدر على خلق اللغة من الناثر، وتحوير استخدام اللغة بما تتيحه أنظمتها من اشتقاق ونحت وتركيب.

فحاجة الشاعر للّغة تفوق حاجة الناثر، فهو يحاول خلق لغة مطواعة، يهيمن عليها في مواجهة قيود الشعر الفنية وتخطى حواجزها الموسيقية.

فالشعر يحتاج إلى لغة خاصة تتجانس مع إيقاعيته، وتغطي مختلف موضوعاته ومناسباته المختلفة، التي نعني بها مناخ القصيدة من عاطفة في الرثاء والحب، إلى النبرة الخطابية في الحماسة والتحفيز، أو الجزالة والفخامة في الفخر.

فاللغة في الشّعر تتجانس مع مناخ القصيدة ومضمونها، وعنصر الخيال يظل الجذوة التي يقتبس منها الشاعر لإيقاد فكرته.

واللغة في الشعر إشاريّة تعتمد على الاختزال والرمز والإيماء والإيحاء، وتتباين في ذلك عن لغة النثر، المتميزة بالشفافية والوضوح والمباشرة في الوصول إلى الهدف المتوخى.

ولما كانت هذه اللغة، أعني لغة الفكر الإسلامي، والقضايا الإسلامية، لغة حسم ووضوح، فإنها تتفاوت وظيفياً صراحة ورقّة، بحسب مقتضيات الدور الذي ينيطه الكاتب بنفسه، وبحسب مناخ الخطر الذي يكتنف الكاتب، وبعبارة أدق وأشمل، يكتنف معتقده وقيمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>