للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحمد جمال من حيث الحدة والصرامة الأسلوبية ورقتها وشاعريتها كمعيار، يتبوأ منزلة وسطى بين شاعرين انتقلا إلى مخيم الفكر الإسلامي، هما الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، والأستاذ سيد قطب (رحمهما الله) .

رحلة الرافعي من الشعر إلى النثر:

من المفارقة العجيبة أن الرافعي الذي غرق واستغرق أدبه وفنه في رومانسية مغرقة في التراخي والحلم الحزين وهموم الذات، إن لم يكن باعثها حبه وهيامه بمي زيادة، كما اتهم بذلك (٢٥) ، فتأجّج الولوع بالمدرسة الرومانسية ربما كان يكمن خلف ذلك، فقد كانت تشهد أوج ازدهارها في مناخنا الأدبي، وانعكست على صفحة شعره كما في قوله (٢٦) :

نرى النهر ينساب عن شاطىء

ليجريه الشاطىء المستقر

كذا يتدافع بحر الحياة

فإنّ له رحمة الله بر

لآمنت يا ربُّ مثل الصغير

وراء الوجود أبوه الأبر

نفرّ من الهمّ في زعمنا

ولكنه هو منّا يفر

ومنذ رأى في السماء الغيوم

تقيم بها أبداً لا تمر؟

وهل في الوجود سوى سائر

تدافع: شيء لشيء يجر

فمن عرف الكون عرفانه

ففي كل حال له ما يسر

تعيش على الأرض جرذانها

فكيف تعيش وفي الأرض هر؟

لعمرك ما تستقرّ الهموم

تقيم بها أبداً لا تمر

ومنذ رأى في السماء الغيوم

على مؤمن روحه فيه حر

وفي الدهر يسر وفي الدهر عسر

وفي العمر حلو وفي العمر مر

ولكنها حركات الحيا

ة منها الحياة لنا تستمر

ويأتي الشتا أغبراً كالحاً

لأن الربيع به مستسر

فلا دام في نفعه نافع

ولا دام في ضرّه ما يضر

ومنذ رأى في السماء الغيوم

تقيم بها أبدا لا تمر

فكن مرحاً لا تقر الأسى

فعادة كلّ أمرىء ما يقر

وما سر حظّك إلا لديك

بلى!! فرح القلب للقلب سر

تعود الحياة هلاكا لمن

أراد الحياة على ما يصر

فخذها حصى إن تكن من حصى

ودرّا إذا كان في الحّظ در

ومنذ رأى في السماء الغيوم

تقيم بها أبداً لا تمر؟

ولا تزد الشر في وهمه

بوهمك.. ذانك شرّ وشر

خفاف السحاب تطير البروق

وترمى الصواعق إذ تكفهر

<<  <  ج: ص:  >  >>