وجوهر المفارقة يكمن في أنّ الرافعي مزّق غلالة الرومانسية التي كان يتوشّح بها، لينبري فجأة كالفارس الكميّ الشاكي السلاح، ليجرّد حسام اللغة، ويقوّم سنان حروفه، في مواجهة الدكتور طه حسين حينما ألف في عام ١٩٢٦م كتابه (في الشعر الجاهلي) ، والذي أصدره في العام الذي يليه بعنوان (في الأدب الجاهلي) وتبنّى فيه نظرية (رينيه ديكارت) في الشك المفضي الى اليقين، وإن كان طه حسين قد ضخّم في حقيقة الأمر ما تبناه وطرحه المستشرق مرجليوت الأستاذ في مدرسة الألسن التي أسسها رفاعة رافع الطهطاوي بمصر في بحثه المسمى ب (أصول الشعر العربي)(٢٨) .
فألّف الرافعي (المعركة بين القديم والجديد) و (تحت راية القرآن) ليصب فيهما جام لغته وغضبه على الدكتور طه حسين بمفردات نيزكية حادة وحارقة، كقوله:(لم ينفرد الأستاذ طه حسين بانتحال الجديد والتجديد، ولا هو أول من زعم ذلك أو حامى عنه أو كابر عليه، فقد سبقه آخرون لكنه أول من اجترأ على الأدب العربي بالمسخ والتكلّف وقال فيه بالرأي الأحمق)(٢٩) .
وقوله في الموضع نفسه:(وإنّ من عجز عن أن يعلو لا يعجزه أن يسفل، بيد أنا لم نجد ولم نعرف غير هذا الأستاذ أحداً يرضى لنفسه أن يُمتدح بالعيب ويتحسّن بالقبح)(٣٠) .
وهول صدمة الرافعي في ثقافة أمته ومكونات نتاجها الأدبي المسحوق تحت سنابك (الشك) والنفي، هي ما يبرر استهلاله كتابه على جلالة مسماه (تحت راية القرآن) ليقول في مقدمته:
(وإنّ طائفة من الذباب لو أصابت حامياً مدافعاً من النسور، فجاءت تطنّ لتلوذ به وتنضوي إليه، ثم قصف النسر قصفة بجناحيه لأهلكها، أو بعثرها، وشردها)(٣١) .