للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان المقطع الثاني من القصيدة عبرّ عن الشباب ونزقه، فإن المقطع الثالث أتى ليمسح صورة ذلك الشباب المبعثر بتلك المشاعر التي تشع من عينين والهتين تضجّان باللهفة والدعاء والتطلع الخاشع في قنوت للسماء، وكلها ومضات إيمانية، تلتمع خلف مشاعر عاطفية وتومض بين حنايا قصيدة غزلية، ولذلك كان من الميسور لشاعر مثل سيد قطب أن تحتضنه، أو يولع ببيان القرآن، فهو التوجه المتجانس مع الشفافية الروحية، والتطلع الإيماني لديه، فاصطبغت أعماله بألوان الاهتمام البياني، كما في تفسيره في ظلال القرآن أو دراسته (التصوير الفني في القرآن) ورديفتها (مشاهد القيامة في القرآن) مستثنين من ذلك عمله الفكري مثل (معالم في الطريق) . ولنسترح ونستروح بتلك المشاهد التي يستعرضها سيد قطب حينما يقول: (والآن فلنعرض شطراً من قصص حقيقية، بعدما عرضنا قصص الأمثال.

١ - لنعرض مشهداً من قصة إبراهيم، وهو يبني الكعبة مع ابنه اسماعيل، وكأنما نحن نشهدهما يبنيان ويدعوان الآن، لا قبل اليوم بأجيال وأزمان.

{وإذ يرفع ابراهيمُ القواعدَ من البيت وإسماعيل. ربنّا تقبّل منّا إنّك أنت السميعُ العليم. ربّنا واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريتنا أمةّ مسلمة لك، وارنا مناسكنا، وتب علينا، إنّك أنت التوّاب الرحيم، ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ويزكّيهم. إنك أنت العزيز الحكيم} .

لقد انتهى الدعاء، وانتهى المشهد، وسدل الستار.

هنا حركة عجيبة في الانتقال من الخبر إلى الدعاء، هي التي أحيت المشهد وردته حاضرا، فالخبر: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) كان كأنما هو الإشارة برفع السّتار ليظهر المشهد: البيت، وإبراهيم وإسماعيل، يدعوان هذا الدعاء الطويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>