للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حياته لأنه محترم حيًّا وفي قبره دائما.

ثم نهي عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبة ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم، ولهذا قال : ﴿ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ [الحجرات: ٢] كما قال ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: ٢].

وقوله تعالى ﴿أنْ تَحْبَطَ أعْمالُكُمْ وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢]؛ أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري كما جاء في الصحيح "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض" (١).

ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى﴾ [الحجرات: ٣]؛ أي أخلصها لها وجعلها أهلا ومحلا ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٩] (٢).

وجاء في "الكشاف" عند تفسير هذه الآيات قوله: "أعاد النداء عليهم - أي في قوله ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كل خطاب وارد، وتطرية الإنصات لكل حكم نازل، وتحريك هممهم لئلا يفتروا ويغفلوا عن تأملهم وما أخذوا به عند حضور مجلس رسول الله من


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان. فتح الباري (١١/ ٣٠٨) (ح ٦٤٧٨).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٢٠٥ - ٢٠٦).

<<  <   >  >>