للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: والله لا تأويه أبدا إلا بإذن منه.

فاجتمع إليه رجال فكلموه، فقال: والله لا يدخله إلا يإذن من الله ورسوله فأتوا النبي فأخبروه. فقال: "اذهبوا إليه، فقولوا له خله ومسكنه، فأتوه فقال: أما إذا جاء أمر النبي فنعم" (١).

وفي رواية عند الترمذي: "فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله العزيز، ففعل" (٢).

وبعد، فهذا غيض من فيض مما ورد في تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم للنبي في حياته، وفي الحقيقة فإن كل مواقفهم تشهد لهم بتعظيمه واحترامه وتوقيره.

فلقد كانوا يعظمونه في ذاته فيتبركون بآثاره كفضل وضوئه، والأخذ من شعره، ودلك أجسامهم بنخامته، وغير ذلك مما أقرهم النبي (٣)، وهذا خاص في حقه .


(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٢٨/ ١١٤، ١١٥) تفسير سورة المنافقون الآية (٨)
(٢) سنن الترمذي (٥/ ٤١٨) (ح ٣٣١٥) كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المنافقين. وأورده ابن كثير في تفسيره (٤/ ٣٧٢) وعزاه للحميدي في مسنده وأورده ابن حجر في فتح الباري (٨/ ٦٥٢).
(٣) قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه تيسير العزيز الحميد (ص ١٥٣، ١٥٤): ذكر بعض المتأخرين أن التبرك بآثار الصالحين مستحب كشرب سؤرهم، والتمسح بهم أو بثيابهم، وحمل المولود إلى أحد منهم ليحنكه بتمرة حتى يكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين، والتبرك بعرقهم ونحر ذلك، وقد أكثر في ذلك أبو زكريا النوري في
"شرح مسلم" في الأحاديث التي فيها أن الصحابة فعلوا شيئا مع النبي وظن أن بقية الصالحين في ذلك كالنبي وهذا خطأ صريح لوجوه منها:
١ - عدم المقاربة فضلا عن المساواة للنبي في الفضل والبركة.
٢ - ومنها عدم تحقق الصلاح، فإنه لا يتحقق إلا بصلاح القلب، وهذا أمر لا يمكن الاطلاع عليه إلا بنص، كالصحابة الذين أثنى الله عليهم ورسوله، أو أئمة التابعين، أو من شهر بصلاح ودين كالأئمة الأربعة ونحوهم من الذين تشهد لهم الأمة بالصلاح وقد عدم أولئك، أما غيرهم فغاية الأمر أن نظن أنهم صالحون فنرجو لهم.
٣ - ومنها أنا لو ظننا صلاح شخص فلا نأمن أن يختم له بخاتمة سوء، والأعمال بالخواتيم، فلا يكون أهلا للتبرك بآثاره.
٤ - ومنها أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك مع غيره لا في حياته ولا بعد موته، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فهلا فعلوه مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من الذين شهد لهم النبي بالجنة، وكذلك التابعون هل فعلوه مع سعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وأويس القرني والحسن البصري ونحوهم ممن يقطع بصلاحهم، فدل أن ذلك مخصوص للنبي .
٥ - ومنها أن فعل هذا مع غيره شيء لا يؤمن أن يفتنه وتعجبه نفسه، فيورثه العجب والكبر والرياء، فيكون هذا كالمدح في الوجه بل أعظم" انتهي.

<<  <   >  >>