للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعالمين قال تعالى: ﴿وما أرْسَلْناكَ إلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء] فجزاه الله عن أمته أفضل الجزاء.

ولقد جبله الله على مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه علم أنها خير أخلاق، فإنه كان أعلم الخلق، وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا وأجودهم وأسخاهم وأشدهم احتمالا، وأعظمهم عفوا ومغفرة، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه قال في صفة رسول الله في التوراة "محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، حتى يقولوا لا إله إلا الله" (١).

وأرحم الخلق وأرأفهم بهم وأعظم الخلق نفعا لهم في دينهم ودنياهم وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعا، وأعظمهم إيثارا على نفسه، وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم ودفاعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهي عنه، وأوصل الخلق لرحمه.

وكان أجود الناس صدرا، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته لم ير قبله ولا بعده مثله .

وقد خصه الله بصفتين خص بهما أهل الصدق والإخلاص وهما


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كراهية السخب في الأسواق. برقم (٢١٢٥).

<<  <   >  >>