للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ذلك من الحمد له والمدح وإعظامه والإيمان به وإعطائه الدرجة العلية ما ليس في الغلو فيه.

لأن في تقرير كمال عبوديته التي هي كمال الخلوق، وهذا هو الكمال فأما الغلو فيه إلى حد الربوبية فذاك خيال باطل لا كمال حاصل وفي إثبات العبودية له، إيمان به وموافقة لخبره وأمره، فيحصل له بذلك من الخير والرحمة ما لا يحصل له بالغلو فيه، الذي هو كذب فيه مكذوب عليه ومعصية له وإشراك بالله، وليس في ذلك ما ينفعه ولا ما يرفعه بل في ذلك ضرر على المشركين المفترين" (١).

ولم يقتصر الغلو على النصارى وحدهم بل كان واقعًا في الأمم قبلهم فالغلو كان أول خطوات الإنحراف عن الدين القويم والوقوع في الشرك.

فقد روى الطبري بسنده عن عكرمة قال: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام" (٢).

فكان مبدأ الشرك في قوم نوح، وكان سببه غلوهم في الصالحين فقد روى البخاري في كتاب التفسير من صحيحه باب قوله تعالى ﴿ودًّا ولا سُواعًا ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرًا﴾ عن ابن عباس أنه قال: "أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت" (٣).

فالغلو في الصالحين هو الطامة الكبرى والبلية العظمى التي جنحت بالبشرية عن جادة الحق والصواب إلى ظلمات الشرك والضلال باتخاذ أنداد لله من خلقه واعتقاد أنها تملك شيئا من خصائص الإلهية.


(١) الرد على البكري (ص ١٠٤ - ١٠٥).
(٢) تفسير الطبري (٢٩/ ٩٩).
(٣) انظر فتح الباري (٨/ ٦٦٧).

<<  <   >  >>