للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فطرة وعقل، ولكن غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق وعقولهم، وأفسدتها عليهم واجتالتهم عنها. ومضى على الفطرة الأولى من سبقت له من الله الحسنى فأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بما يوفق فطرهم وعقولهم فازدادوا بذلك نورًا على نور ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ﴾ [النور: ٣٥].

إذا عرف هذا فمن خصائص الإلهية السجود، فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به.

ومنها المتوكل، فمن توكل على غيره فقد شبهه به.

ومنها التوبة، فمن تاب لغيره فقد شبهه به.

ومنها الحلف باسمه تعظيما وإجلالا له، فمن حلف بغيره فقد شبهه به. هذا في جانب التشبيه.

وأما في جانب التشبه به: فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفا ورجاء والتجاء واستعانة فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته، وهو حقيق بأن يهينه الله غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه.

وفي الصحيح عنه قال: "يقول الله ﷿: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما عذبته" (١).

وإذا كان المصور الذي يصنع الصورة بيده من أشد الناس عذابا يوم القيامة لتشبهه بالله في مجرد الصنعة، فما الظن بالتشبه بالله في الربوبية والإلهية؟ ففي الصحيحين عنه أنه قال: "قال الله ﷿: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة" (٢).


(١) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الكبر برقم (٢٦٠).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: ﴿واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ﴾ برقم ٧٥٥٩. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (٢١١١).

<<  <   >  >>