للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعلوا جميع حبهم لله وحده، وأولئك جعلوا بعض حبهم لغيره وأشركوا بينه وبين الأنداد في الحب، ومعلوم أن ذلك أكمل، قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر].

واسم المحبة فيه إطلاق وعموم فإن المؤمن يحب الله ويحب رسله وأنبياءه وعباده المؤمنين، وإن كان ذلك من محبة الله، وإن كانا المحبة التي لله لا يستحقها غيره. ولهذا جاءت محبة الله مقرونة بما يختص به سبحانه من العبادة والإنابة إليه والتبتل له، ونحو ذلك. فكل هذه الأسماء تتضمن محبة الله .

وكما أن محبته هي أصل الدين، فكذلك كمال الدين يكون بكمالها ونقصه بنقصها (١) وكمال هذه المحبة هو بالعبودية والذل والخضوع والطاعة للمحبوب فالحق الذي خلق به ولأجله الخلق هو عبادة الله وحده التي هي كمال محبته والخضوع والذل له، ولوازم عبوديته من الأمر والنهي والثواب والعقاب، ولأجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وخلق الجنة والنار (٢).

قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا﴾

وقال تعالى: ﴿إنّا جَعَلْنا ما عَلى الأرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أيُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلًا﴾، وقال تعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ فِي سِتَّةِ أيّامٍ وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: ٧].

فأخبر سبحانه في هذه الآيات أن خلق العالم والموت والحياة وتزين الأرض بما عليها أنه للابتلاء والامتحان ليختبر خلقه أيهم أحسن عملا، فيكون عمله موافقًا لمحاب الرب تعالى، فيوافق الغاية التي خلق


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٥٦، ٥٧).
(٢) روضة المحبين (ص ٥٩).

<<  <   >  >>