للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدينة. فخرجت امرأة من الأنصار محرمة فاستقبلت (١) بأبيها وابنها وزوجها وأخيها لا أدري أيهم استقبلت به أولا فلما مرت على أحدهم قالت: من هذا؟، قالوا: أبوك أخوك زوجك ابنك. تقول: ما فعل رسول الله ؟، يقولون: أمامك حتى دفعت إلى رسول الله فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب (٢).

وعن سعد بن أبي وقاص قال: مر رسول الله بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد، فلما نُعوا لها قالت: ما فعل رسول الله ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه حتى أنظر إليه. قال: فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك (٣) جلل" (٤).

ولقد حكَّم الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله في أنفسهم وأموالهم فقالوا: "هذه أموالنا بين يديك فاحكم فيها بما شئت وهذه نفوسنا بين يديك لو استعرضت بنا البحر لخضناه، نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك" (٥).

وما هذا الإيثار الذي تضمنته هذه الكلمات إلا تعبيرا عما تكنه نفوسهم من المحبة له واسمع إلى قول قيس بن صرمة


(١) أي أخبرت بمقتل أبيها، وابنها، وزوجها، وأخيها.
(٢) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ١١٥) وقال: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن شعيب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
(٣) جلل؛ أي: هينة ويسيره، والكلمة من الأضداد تكون للحقير والعظيم النهاية (١/ ٢٨٩).
(٤) رواه ابن هشام في السيرة (٣/ ٤٣). وعنه أورده ابن كثير في البداية والنهاية (٤/ ٤٧) وأخرجه البيهقي في الدلائل (٣/ ٣٠٢) بنحوه.
(٥) روضة المحبين (ص ٢٧٧).

<<  <   >  >>